لم يفرغ د. هادي اليامي، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، من رفد المكتبة السعودية بمزيد من المؤلفات، فقد أصدر أخيراً كتاب «سياسة حوكمة الأجهزة الحكومية في المملكة العربية السعودية». وهو منتج فكري جديد يصب في رفع مستوى الوعي في المجتمع السعودي، بهدف تقديم نموذج «حُكم رشيد» يسهم في الوقت ذاته بتحسين استغلال موارد الدولة.
للمؤلف اليامي، الحاصل على الدكتوراه في الحقوق، باع طويل في مجال حقوق الإنسان، والقضايا القانونية، والتشريع القانوني، وكان عضواً في مجلس الشورى لأكثر من دورة، تفرَّغ بعدها لخدمة مجتمعه، من خلال تأسيس جمعية إحسان للخدمات القانونية، والتي تم إشهارها رسمياً قبل أربع سنوات تقريباً.
التقليل من الفساد
عند الحديث عن حوكمة الأجهزة الحكومية ينبغي معه التأصيل الحقيقي لهذه الأجهزة، من خلال الوقوف على سياسات التنظيم الإداري، وكما يعرضها د. اليامي، وكيف تطوَّرت الدولة بوجه عام، والأسلوب الذي تتبناه في إدارة أدوات الجهاز الإداري بها.
فإذا ما انتهينا من الوقوف على حقيقة الجهاز الإداري ينبغي بالضرورة بيان هذا المصطلح الذي تجاوز حدود القطاع الخاص، لينال اعتراف القطاعات الرسمية بضرورة تطبيقه، فنتعرَّف على عوامل وأسباب انتشار حوكمة الأجهزة الحكومية، وآليات نجاحها، والمبادئ التي تخضع لها الأجهزة الحكومية. فإذا ما انتهينا في ذلك، فإننا نتناول الاستراتيجية التي تبنتها الدولة السعودية لتحقيق سياساتها إزاء قضية الحوكمة، فنتعرَّف كيف ضمنت الدولة السعودية التقليل من الفساد المالي والإداري، وكيف عززت الحوكمة في القطاعات المالية، والاقتصادية، والقانونية، والوظيفية، والعقارية، ثم كيف لنا أن نرى مستقبل الحوكمة في المملكة.
إن الانطلاق الحقيقي لقضية الحوكمة في أجهزة الدولة السعودية نابع من «رؤية المملكة 2030»، والتي قامت على عدة غايات، هي:1 - مجتمع حيوي يتمتع بالقيم الراسخة، والبيئة العامرة، والبنيان المتين.
2 - اقتصاد مزدهر به فرص مثمرة يتمتع بفاعلية الاستثمار والتنافسية التي تجذب الاستثمارات الأجنبية واستقلالية البنيان الاقتصادي.
3 - وطن طموح قائم على حكومة فاعلة ومواطن مسؤول.
هيكلة مستمرة
ويأتي السؤال الحقيقي كما يطرحه د. اليامي: كيف نحقق رؤيتنا؟ وقد جاءت الإجابة من خلال برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي، انطلاقاً من إعادة هيكلة مستمرة للأجهزة، والهدف من ذلك توحيد الجهود، وتسهيل الإجراءات، وتحديد الاختصاصات، بما يضمن سهولة التنفيذ للمهام، ويُمكن من المساءلة الفعَّالة، ويضمن استمرارية العمل والمرونة في مواجهة التحديات.
الريادة والتقدم
لعل ما سبق هو ما أطلق للدكتور اليامي عنان القلم الذي ينفطر عشقاً لتاريخ المملكة، خصوصاً هذه الفترة، التي تتسم بالطموح والقدرة على الريادة، ويرتحل شوقاً للمزيد من التقدُّم والازدهار، ليرسخ من عناوين فصول هذا الكتاب وعناوينه الفرعية، والتي تتناول مفردات وأدوات حوكمة الأجهزة الحكومية، كسياسات قادت بها القيادة الرشيدة المملكة نحو الريادة والتقدُّم، كانت ولا تزال مصدر إلهام لأصحاب الرأي والفكر، ومحط ترحيب وتقدير وإعجاب من المجتمع، وهذا لا يُغني من إضافة بعض الأفكار المقترحة في آخر فصول الكتاب، لتعزيز مستقبل حوكمة الأجهزة الحكومية.
التنظيم الإداري
جاءت فصول الكتاب على النحو التالي، الفصل الأول: سياسات التنظيم الإداري للدولة. وقد تناول فيه مجموعة من المحاور الرئيسية، والتي تعبِّر عن مفاهيم ضمنية للدولة وتطورها، وتطور التنظيم الإداري الفريد للسعودية، ليستضيء في ختامه بالأسلوب الرشيد الذي انتهجته المملكة في قيادة أجهزتها الإدارية، وأهمية تبني سياسات لحوكمة هذه التنظيمات الإدارية الهائلة.
أبجديات الحُكم الرشيد
الفصل الثاني: ماهية حوكمة الأجهزة الحكومية. وقد تناول فيه الحوكمة كأحد أبجديات الحُكم الرشيد، بإلقاء الضوء على ماهيتها، ونشأتها، وتطورها، وعوامل انتشارها في الأجهزة الحكومية، وأسسها، وفواعل وآليات نجاحها، ومبادئ الارتكاز لها، لنخلص من ذلك إلى كيف عزز تبني القيادة الرشيدة لمبدأ «تشجيع قوة القانون» من الترسيخ العميق للحوكمة كتطبيق علمي وعملي لهذا المبدأ.
كفاءة الجهاز الحكومي
الفصل الثالث: استراتيجية الأنظمة السعودية في تحقيق كفاءة الجهاز الحكومي. وقد استعرض فيه هذا النسق الذي استهدف:
1. تشجيع الأجهزة الحكومية على اتخاذ قرارات أفضل لتعزيز الاستخدام الكفء للموارد.
2. تعزز المساءلة عن إدارة الأجهزة الحكومية.
3. تفعيل آليات الحوكمة كضاغط أساسي لتحسين الأداء في الأجهزة الحكومية.
4. تفعيل الحوكمة كآلية مهمة للتصدي للفساد في الأجهزة الحكومية.
وأثر ذلك على ترقية مسيرة الخُطى الثابتة التي تسير بها المملكة نحو تعزيز تنافسيتها، باعتبارها الدولة الرائدة بالشرق الأوسط في الحوكمة، يُضاف إلى ذلك تعزيز قدرتها على التنمية المستدامة، بما يمكنها من الريادة الحقيقية لهذه المنطقة.
قراءة المستقبل
الفصل الرابع: مستقبل حوكمة الجهاز الإداري في المملكة العربية السعودية، والذي يتضمَّن قراءة لمستقبل مجلس الشورى، ودوره في حوكمة الأجهزة الحكومية، من خلال الدور الرقابي الفاعل على المؤسسات الحكومية المختلفة، وعبر الدور التشريعي الذي يهدف إلى مراجعة وتطوير أنظمة الدولة المعمول بها، واقتراح أنظمة جديدة بالشراكة مع مجلس الوزراء، وقراءة لمستقبل الشفافية في البيانات الوطنية، واستعراض جهود هيئة الحكومة الرقمية في تعزيز الحوكمة. وأخيراً خلص إلى مقترح مهم يتعلق بإنشاء مركز وطني جديد لشؤون الحوكمة.