«تثبيت الأسعار» جاء بعكس مستهدفاته

«الشال»: استمرار القرار يخلق فجوة بين السعرين الداخلي والخارجي... ولابد من إجراء آخر
• القرار يخرج الملتزم به من السوق ويطرد السلع المثبتة لمصلحة أخرى أقل جودة
• الأسعار ارتفعت بين 2020 و2024 بنسبة 36.8% مقابل 3% لفترة ما قبل القرار
• صدر إبان «كورونا» والظروف الاستثنائية تزول بزوال آثار حدثها ويفترض إلغاء قراراتها
• التثبيت استنفد وقته والجهة المصدرة له لا تملك سلطة على تسعير «المستورد»

نشر في 20-10-2024
آخر تحديث 19-10-2024 | 20:40
احد المستهلكين خلال تسوقه
احد المستهلكين خلال تسوقه

رأى التقرير الأسبوعي لمركز «الشال» الاقتصادي أن القرار 67 لسنة 2020 الخاص بتثبيت أسعار السلع الغذائية، لم يحقق أياً من مستهدفاته، بل على العكس جاء بعكسها، مبيناً أن هذا القرار جاء استثنائياً إبان جائحة كورونا، ومن المنطقي أن القرار الاستثنائي يزول بزوال آثار حدثه، «ويفترض بالجهة التي أصدرته أن تلغيه حال انتهاء مبرراته».

وأكد «الشال» أن هذا القرار استثنائي كذلك لأن الجهة التي أصدرته «لا تملك سلطة تسعير المنتج المستورد من مصادره المنتشرة حول العالم»، مبيناً أن الكويت تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من أسواق مختلفة مرت بحقبة تضخم غير مسبوقة منذ ثمانينيات القرن الفائت.

وأضاف: «عندما يتحول الاستثناء إلى قاعدة، عبر استمرار قرار تثبيت أسعار السلع في الداخل رغم ارتفاعها في الخارج، فإن ذلك يخلق فجوة بين السعرين نتيجة ارتفاع أسعار الشراء، وحينئذ قد تتحول مستهدفات القرار إلى عكسها تماماً»، بمعنى أن السوق «قد يقوم بعملية فرز غير صحية، يخرج منه تدريجياً من هو ملتزم بالقرار... ليحل مكانه غير الملتزم، وقد تستبدل بالسلع محل تثبيت السعر سلع أقل جودة وأعلى سعراً».

وذكر التقرير أن مؤشر أسعار الأغذية والمشروبات في الكويت ارتفع من مستوى 110.2 في يونيو 2020، إلى مستوى 150.8 في يونيو 2024، أي بنسبة 36.8 في المئة رغم سريان قرار تثبيت الأسعار، بينما ارتفع عن مستواه عام 2017 البالغ 107.6 حتى صدور القرار عام 2020 إلى 110.2 أي بنسبة 3.0 في المئة فقط، مما يؤكد أن نتائج القرار تعاكس مستهدفاته.

ورجح أن يكون سبب هذه النتائج المعاكسة أن القرار استنفد وقته منذ زمن طويل، وربما بسبب البيئة الطاردة للمورد الملتزم، وربما بسبب ضعف أو فساد رقابي، أو عدم دقة أرقام تضخم أسعار المستهلك في الكويت، وقد يكون خليطاً من كل ذلك، معتبراً أن «الحل قد يكون بإجراء آخر غير التثبيت».

وفي تفاصيل الخبر:

ذكر التقرير الأسبوعي لمركز «الشال» الاقتصادي، أن حماية المستهلك التزام أساسي لسلطات اتخاذ القرار في أي بلد، لكن الأهم من قرار الحماية هو مسار المراجعة المتصل بقياس فعاليته مع مرور الزمن، وكل تغير في الظروف التي حتمته، ولا يبدو أن القرار رقم «67» لسنة 2020 بشأن تثبيت أسعار كل السلع الغذائية، قد حقق أياً من مستهدفاته، فالقرار صدر في شهر مارس عام 2020 إبان جائحة كورونا، استباقاً لما كان يمكن أن تسببه اختناقات العرض من ارتفاع مفاجئ وحاد في أسعار السلع الغذائية الضرورية، سواء كان ارتفاعاً صحيحاً أو مفتعلا.

لو كان القرار حقق أهدافه المقصودة لكان مستوى الارتفاع في الكويت أدنى من الدول المشابهة لاقتصادها

في التفاصيل، تعتبر الجائحة حدثاً استثنائياً تطلب إجراء استثنائياً، وما هو استثنائي هو بالتعريف مؤقت يزول بزوال آثار الحدث، ويفترض بالجهة التي أصدرته أن تلغيه حال انتهاء مبرراته ومراجعة فعاليته من دون طلب أو تدخل من أي طرف آخر والقرار الوزاري رقم «67» لسنة 2020 ليس استثنائياً بسبب جائحة كورونا فقط، وإنما استثنائي لأن الجهة التي أصدرته لا تملك سلطة على تسعير المنتج المستورد من مصادره المنتشرة حول العالم، والأصل في تثبيت أسعار البيع هو توفر سلطة مماثلة لتثبيت أسعار الشراء، كما في حالة البنزين في الكويت كمثال.



ولأن الكويت تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من مصادر مختلفة حول العالم، ولأن أسواق العالم مرت بحقبة تضخم غير مسبوقة منذ ثمانينيات القرن الفائت، فالواقع هو أنها ليست فقط لا تملك السلطة في التأثير على أسعار المستورد، وإنما مجرد الحد من ارتفاعها بات لاحقاً المعركة الرئيسية لبنوك العالم المركزية الرئيسية.

وعندما يتحول الاستثناء إلى قاعدة، أي استمرار مفعول القرار بتثبيت أسعار السلع الغذائية في الداخل رغم ارتفاعها في الخارج، ذلك يخلق فجوة بين السعرين نتيجة ارتفاع أسعار الشراء، حينها قد تتحول مستهدفات القرار إلى عكسها تماماً.

بمعنى، أن السوق قد يقوم بعملية فرز غير صحية، يخرج منه تدريجياً من هو ملتزم بالقرار، والتزامه في الغالب يعود إلى شعوره أخلاقياً بضرورة ذلك الالتزام، ويحل مكانه غير الملتزم، وقد تستبدل بالسلع محل تثبيت السعر، سلع جديدة أقل جودة وأعلى سعراً، وحكمها حكم العملة.



حركة الأسعار من المصدر متغيرة وبوتيرة حادة وخارجة عن سيطرة سلطات العالم

وربما أرقام تضخم أسعار المواد الغذائية في الكويت تؤكد ذلك، فأسعار المستهلك الرسمية في الكويت تظهر أن مؤشر أسعار الأغذية والمشروبات ارتفع من مستوى 110.2 في يونيو 2020، إلى مستوى 150.8 في يونيو 2024، أي بنسبة% 36.8 رغم سريان قرار تثبيت الأسعار، بينما ارتفع عن مستواه في العام 2017 البالغ 107.6 وحتى صدور القرار في عام 2020 إلى 110.2 كما أسلفنا، أي بنسبة ارتفاع% 3.0 فقط.

وذلك يؤكد نتائج القرار المعاكسة لمستهدفاته، والسبب ربما يكون لأن القرار استنفذ وقته منذ زمن طويل، وربما يكون بسبب البيئة الطاردة للمورد الملتزم، وربما يكون ناتجاً عن ضعف أو فساد رقابي، وربما من عدم دقة أرقام تضخم أسعار المستهلك في الكويت، وقد يكون خليطاً من كل المبررات المذكورة وغيرها، لذلك قد يكون الحل في إجراء آخر غير التثبيت.

الاقتصادات المتشابهة

وعرض «الشال» بعض المقارنة مع متغيرات أسعار المستهلك لبعض دول الجوار ذات الاقتصادات المشابهة، فمعدلات التضخم بشكل عام لديها تقل عن مستوى معدلات التضخم في الكويت البالغة للأعوام ما بين 2020 إلى 2023 نحو%3.0، و%4.2 و%3.2 و%3.4 على التوالي، فبينما كانت تلك المعدلات للبحرين لنفس السنوات على التوالي نحو%1.6،%0.4-،%3.6 و%0.3-، وكانت للسعودية نحو%5.3،%1.2،%2.0 و0.4%، وكانت للإمارات نحو%2.1،%0.1-، 4.8% و%1.6.

القرارات التنظيمية لا بد أن تخضع للمراجعة الدورية حال أي اختلاف في ظروف نشأتها

ولو حصرنا اهتمامنا على حركة أسعار مؤشر الأغذية والمشروبات، كان في البحرين في يونيو 2020 عند مستوى 111.3، وارتفع في يونيو 2024 إلى مستوى 128.7 أي بنسبة ارتفاع بلغت%15.6، ومن مستوى 108.1 إلى مستوى 124.5 لنفس الفترة في السعودية أي بارتفاع بنسبة%15.2، وارتفع للإمارات من 100.3 (يناير 2021) إلى 111.0 (يونيو 2023) أي بنسبة%10.7، بينما ارتفاعه في الكويت بلغ%36.8 كما أسلفنا.

ولو كان القرار قد حقق أهدافه المقصودة، لكان مستوى الارتفاع في الكويت أدنى من الدول الثلاث الأخرى، أما وقد تحقق العكس، فذلك دليل مقارن إضافي على انتهاء صلاحية القرار.

ارتفاع الأسعار عالمياً

وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) على ظاهرة ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية على مستوى العالم ليبلغ أعلى مستوياته في عامي 2021 و2022، ثم يبدأ بالانحسار، حيث يشير مؤشرها إلى مستوى له بحدود 99.2 في عام 2020، ثم يرتفع بشكل كبير إلى 125.2 في عام 2021، وقفزة أخرى في عام 2022 إلى مستوى 141.5، لتبدأ الأسعار في الانحسار إلى مستوى 120 في عام 2023، ثم إلى 113 حتى أغسطس من عام 2024، أو بمعدل ارتفاع عن مستوى عام 2020 بنحو%13.9.



ذلك يؤكد أن حركة الأسعار من المصدر متغيرة وبوتيرة حادة وخارجة عن سيطرة سلطات العالم، ومن المؤكد بأن المورد إلى السوق الكويتي لا يملك سوى القبول بالسعر السائد من مصادره، مما يجعل الالتزام بتثبيت أسعار السلع المستوردة محلياً، مهمة شبه مستحيلة.

المورد إلى السوق الكويتي لا يملك سوى القبول بالسعر السائد من مصادره ما يجعل الالتزام بتثبيت الأسعار مهمة شبه مستحيلة

وخلص «الشال» إلى أن كل القرارات التنظيمية لا بد أن تخضع للمراجعة الدورية حال أي اختلاف في ظروف نشأتها، وذلك أكثر استحقاقاً في قرارات تؤثر على بيئة الأعمال العامة وعلى احتياجات كل الناس في أي بلد، مثل قرار تثبيت الأسعار إبان الجائحة، وفي قرار صدر في بيئة استثنائية، يفترض أن يزول تلقائياً بمجرد انتهاء الظروف التي تسببت في صدوره.

ومع ما استعرضناه موجزاً سابقاً، لا يبدو أنه حقق أياً من مستهدفاته، سواء من واقع أرقام التضخم الرسمية محلياً، أو بالمقارنة مع ثلاث من دول الإقليم، أو بالتناغم مع تغيرات مؤشرات أسعار الغذاء على مستوى العالم، فلا هو حقق حماية للمستهلك ولا حافظ على بيئة أعمال صحية.

1.5% انكماش الاقتصاد المحلي بالأسعار الثابتة في الربع الثاني

قال «الشال» إنه تم إصدار تقرير الإدارة المركزية للإحصاء الخاص بأرقام الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية والثابتة عن الربع الثاني من 2024، وهناك تقدم في حداثة التقرير يحسب للإدارة، فقد صدر بعد ثلاثة أشهر و14 يوماً من انتهاء الربع الثاني، ومازال هناك مجال لاختصار وقت صدوره.

وتفيد البيانات بأن قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية قد حققت نمواً بنحو 3.2 في المئة، إذ بلغت ما قيمته نحو 12.400 مليار دينار مقارنة بنحو 12.010 ملياراً في الربع الثاني من 2023، بينما حقق الناتج المحلي انكماشاً بنحو 1.5 في المئة بالأسعار الثابتة، وهي الأهم، حين بلغت قيمته نحو 9.824 مليارات للربع الثاني من 2024 مقارنة بمستواه في الربع ذاته من 2023 عندما بلغت قيمته نحو 9.974 مليارات دينار.

في التفاصيل، عزت الإدارة مبررات الارتفاع بالأسعار الجارية إلى ارتفاع القيمة المضافة للقطاع النفطي بنحو 1.1 في المئة، انعكاساً لارتفاع أسعار النفط من معدل 79.8 دولاراً للبرميل في الربع الثاني 2023 إلى معدل 86.6 دولاراً للبرميل خلال الربع الثاني 2024 (8.6+ في المئة).



إضافة إلى ذلك، ارتفعت القيمة المضافة للقطاع غير النفطي بنسبة 5.1 في المئة خلال الفترة ذاتها بالأسعار الجارية لتصل إلى نحو 6.718 مليارات دينار مقابل نحو 6.391 مليارات. ومن ناحية الأسعار الثابتة، جاء الانكماش نتيجة تراجع القيمة المضافة للقطاع النفطي بنسبة 6.8 في المئة، على الرغم من نمو القيمة المضافة للقطاع غير النفطي بنسبة 4.2 في المئة خلال الفترة المذكورة.

ومع الانحسار في القيمة المضافة لقطاع النفط، هبطت مساهمته من تكوين الناتج المحلي الإجمالي من 46.8 في المئة للربع الثاني 2023 إلى نحو 45.8 في المئة للربع الثاني 2024، من دون احتساب مساهمة الأنشطة النفطية الأخرى ما بعد الاستخراج.

وبلغت مساهمة الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي نحو 11.3 في المئة، والوساطة المالية والتأمين 9.2 في المئة، والصناعات التحويلية 7.9 في المئة، والنقل والتخزين والاتصالات 6.7 في المئة، والتعليم 5.9 في المئة، وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم 5.1 في المئة، وكل الأخرى 9.5 في المئة، وواضح كم تعتمد تلك القطاعات على مستوى الإنفاق العام.

back to top