عشية وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، في آخر «رصاصة» دبلوماسية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة بعد أسبوعين، صعّدت إسرائيل على كل الجبهات، في وقت فرض تسريب لمعلومات استخباراتية أميركية حول الرد الإسرائيلي على إيران تعقيدات إضافية على العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، وعلى المسار الذي تمضي إليه المنطقة مع إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على «استغلال الفرصة» لضرب كل الأعداء، حتى لو أدى ذلك إلى حريق خارج عن السيطرة في كل المنطقة.
وقبل ساعات من وصول بلينكن، كثفت الآلة الحربية الإسرائيلية اعتداءاتها وتحركاتها، من غزة حيث ارتكبت مجازر جديدة خصوصاً في منطقة بيت لاهيا، مروراً بلبنان حيث تعرضت القرى اللبنانية على الصف الأول من الحدود لغارات «جنونية»، مع استمرار الضربات الجوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وصولاً إلى الحدود المصرية، حيث زعمت تل أبيب اعتراض مسيّرة تهرب السلاح، والحدود الأردنية حيث أعلنت توقيف 4 مسلحين، بعد أيام من «هجوم البحر الميت» الذي نفذه مسلحان تسللا من الأردن.
وعلى جبهة إيران، عقد المجلس الأمني والسياسي المصغر للحكومة الإسرائيلية اجتماعاً ناقش خلاله الرد على الهجوم الصاروخي الذي نفذته طهران مطلع الشهر الجاري، في وقت اختار نتنياهو قناة المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب لتوجيه رسائل لإدارة بايدن المتهمة، ولو عبر «الغمز واللمز»، بأنها سربت معلومات لطهران للجم نتنياهو ومنعه من اقتياد المنطقة بأكملها إلى حرب خارجة عن السيطرة.
ورداً على تصريح لترامب ذكر فيه أن نتنياهو لا يستمع لبايدن، قال نتنياهو إن إسرائيل تستمع إلى إدارة الرئيس الديموقراطي لكنها تتخذ القرارات وفقاً لمصالحها القومية.
وأتى ذلك في وقت فتحت السلطات الأميركية تحقيقاً بشأن تسريب وثائق استخباراتية أميركية عبر موقع إيراني عن خطط واستعدادات إسرائيل لتوجيه ضربة انتقامية لإيران رصدت تحريك صواريخ وأصول عسكرية في قواعد جوية عبر الأقمار الصناعية، وتضمنت إقراراً بـ «السر الأسوأ» داخل المؤسسات الأميركية حول امتلاك الدولة العبرية لرؤوس نووية رغم وضع احتمالية استخدامها ضد طهران بخانة منخفضة.
من جهته، وجّه وزير خارجية إيران عباس عراقجي تحذيراً مبطناً إلى الولايات المتحدة، معتبراً أن «اندلاع حرب شاملة في المنطقة سيجر أميركا إليها، ونحن لا نريد ذلك».
وقال عراقجي إن إيران «حددت جميع أهدافها في إسرائيل» في حال التعرض لهجوم، متابعاً: «إذا هاجمتنا فسنرد بالمثل ونقصف هذه الأهداف»، في وقت أكد أن بلاده سترد بشكل متناسب على أي هجوم ضد منشآتها النووية.
في غضون ذلك، استدعت «الخارجية» الإيرانية سفير المجر في طهران وسلمت إليه مذكرة احتجاج على البيان الذي أصدره الاجتماع الأوروبي المشترك مع دول مجلس التعاون، في وقت هدد مستشار القائد الأعلى الإيراني علي لاريجاني بأن «الدول العربية التي تسعى لاستصدار بيانات ضد إيران بشأن الجزر الثلاث يجب أن تحاسب في الوقت المناسب» في إشارة إلى الجزر الإماراتية المتنازع عليها.
في سياق آخر، نفى مصدر في «فيلق القدس» أن يكون نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم لجأ إلى طهران في 5 الجاري على متن طائرة عراقجي الذي زار بيروت. وقال المصدر إن طهران عرضت بالفعل على قاسم وغيره من قيادات الحزب اللجوء إليها لكنه رفض.
وفيما بدا أنه رد على موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي حول رفض «التدخل الإيراني ومحاولات فرض الوصاية على لبنان» والتي نالت دعماً من الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، قال رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف إن «الركيزة الأساسية للشعب اللبناني وقادته ومسؤوليه هي إيران ومرشدها وشعبها» في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.
وكان ميقاتي رفض تدخل إيران بعد تصريح نقل عن قاليباف قال فيه إن إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا حول القرار 1701.
وفي تفاصيل الخبر:
أثار الدعم العربي لحكومة لبنان في وجه «الوصاية» التي تحاول إيران فرضها على بيروت، ردّ فعل عنيف من رئيس مجلس الشورى «البرلمان» الإيراني محمد باقر قاليباف، فبعد ساعات من تصريح الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، الذي شدد فيه على أن «حكومة لبنان هي المخولة بالتفاوض باسم البلاد وتطبيق القرار 1701» معلناً مساندته لموقف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي، قال قاليباف، المحسوب على التيار الأصولي المتشدد والجنرال السابق في الحرس الثوري، أمس، إن «الركيزة الأساسية للشعب اللبناني هي إيران وقائدها المرشد علي خامنئي».
وفي كلمة له خلال جلسة لمجلس الشورى الإيراني، ذكر قاليباف: «أريد أن أقول لشعبنا العزيز اليوم، إنه بتوفيق الله تعالى، الركيزة الأساسية للشعب اللبناني وقادته ومسؤوليه هي إيران وقائدها وشعبها»، مضيفاً: «أن عظمة وقوة إيران هي التي تجعل من وجود ممثلها في المنطقة عاملاً مؤثراً في المعادلات الدولية».
وأثار تصريح نقلته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن قاليباف الجدل في لبنان قبل أيام، بعد حديثه عن أن طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في جنوب لبنان.
واعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، في بيان تصريح قاليباف «تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان».
وقال ميقاتي: «نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان، علماً أننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران (عباس عراقجي) ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما إلى لبنان أخيراً بضرورة تفهم الوضع اللبناني، خصوصاً أن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار».
ولاحقاً نفى قاليباف صحة التصريح الذي أوردته «لوفيغارو» في مقابلة أجرتها معه، لكن الجدل لم يتوقف خصوصاً أن الوزير عراقجي أثار الجدل نفسه عندما زار بيروت ودعا اللبنانيين إلى «المقاومة»، وتحدث عن ضرورة ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، بعد موقف للحكومة اللبنانية، يدعم وقفاً فورياً لإطلاق النار، ما يعني عملياً فصل الجبهتين.
وكان أبوالغيط قال، في بيان صحافي أمس الأول، إن «حكومة لبنان هي وحدها المنوط بها التفاوض باسم البلد من أجل التوصل لوقف فوري لإطلاق النار، وتطبيق كامل غير منقوص للقرار 1701».
وأضاف أن «الجامعة العربية موقفها واضح في هذا الخصوص وأن قراراتها جميعا تشدد على سيادة لبنان الكاملة في اتخاذ قراراته المصيرية».
وفيما يتعلق بإبداء إيران استعدادها للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار 1701 قال أبو الغيط: «إنني كأمين عام للجامعة العربية أعلن مساندتي الكاملة للموقف الذي عبر عنه الرئيس ميقاتي، والذي تمثّل في رفض هذا التصريح الإيراني، فلا محل لفرض الوصاية من هذا الطرف أو ذاك أو ممارسة الضغوط أو تجاوز السيادة اللبنانية، ونحن نقف مع لبنان بالكامل في هذا الأمر».
وشدد أبو الغيط على أن «الحديث عن دعم السيادة اللبنانية يجب ألا يكون مجرد كلمات فارغة بل يجب أن يكون مدعوماً بمواقف حقيقية خاصة في هذا الظرف الصعب، ومعاناة اللبنانيين ليست مجرد ورقة تفاوضية بيد أي طرف».
جاء ذلك بعد أن نفت البعثة الدائمة لإيران في مجلس الأمن، أمس الأول، أن تكون إيران مسؤولة عن استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا قرب حيفا بمسيرة، مؤكدة أن حزب الله هو المسؤول عن الهجوم، قبل إصدار الحزب بياناً يتبنى فيه العملية، ما استدعى أن يتدخل الجناح السياسي للحزب.
وقال النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله حسن عزالدين، في تصريح مقتضب، إن «استهداف منزل نتنياهو عملية خالصة للمقاومة واتهام العدو لإيران بأتي في سياق توريطها بحرب إقليمية».
ويصل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت اليوم حسبما أفادت مصادر أميركية، تزامناً مع جولة إقليمية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بيلينكن تشمل إسرائيل.
وكانت مصادر أبلغت «الجريدة» بأن هوكشتاين يحمل معه إلى بيروت، التعديلات والإضافات التي تريد الولايات المتحدة إضافتها على القرار 1701، الذي أنهى حزب 2006 الذي تتمسك به السلطات اللبنانية كمخرج للحرب الحالية، فيما تقول إسرائيل إنه لم يعد كافياً بعد أن أطلق حزب الله في 8 أكتوبر 2023 حرب مساندة لحركة حماس في قطاع غزة الفلسطيني.
في سياق آخر، نفت مصادر إيرانية لـ «الجريدة» أن يكون نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قد انتقل إلى إيران، مضيفة أن طهران عرضت على عدة قيادات في الحزب بينها قاسم الانتقال إليها، لكن قاسم رفض ذلك.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية، أفادت أمس بأن قاسم، غادر إلى إيران منذ 5 أكتوبر الجاري بسبب مخاوف من التعرض لعملية اغتيال. وحسب التقارير فقد غادر قاسم على متن الطائرة الإيرانية التي حملت وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت.
وفي خطابه الأخير، الذي يعد الثالث منذ مقتل الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله في 27 سبتمبر الماضي، صعّد قاسم يوم الأربعاء الماضي من موقف الحزب معيداً ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، ومؤكداً استمرار الحزب في القتال.
وفي حادث هو الأعنف منذ بدء الحرب، قتل 3 جنود لبنانيين بقصف إسرائيلي مباشر على آليتهم بين بلدتي عين ابل وحانين في القطاع الأوسط جنوب لبنان، ليرتفع بذلك عدد قتلى الجيش منذ 23 سبتمبر إلى ثمانية عسكريين. وتعرضت حانين أمس لغارات عنيفة أدت إلى اشتعال حرائق.
كما شن الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم تجديد واشنطن رغبتها في تحييد العاصمة اللبنانية عن الغارات. وتعرضت الضاحية لأكثر من 8 غارات إسرائيلية بعد استهداف منزل نتنياهو أمس الأول.
وشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على معظم قرى الجنوب. وأوردت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أسماء أكثر من 50 بلدة وقرية طالتها غارات إسرائيلية أخرى، أسفر بعضها عن وقوع ضحايا.
في المقابل، أطلق حزب الله أكثر من 180 صاروخاً باتجاه الجليل وحيفا، وقال إنه قصف قاعدة عسكرية إسرائيلية شرق مدينة صفد، بعد ساعات من إعلان إسرائيل قصف مقر استخبارات للحزب وورشة عمل تحت الأرض لإنتاج الأسلحة في بيروت.
من ناحيته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال زيارة للحدود الشمالية، إن قواته «تنتقل الآن من مرحلة هزيمة حزب الله إلى تدميره»، مضيفاً أن الحزب « يتهاوى سواء على خطوط التماس أو بالضربات المتتالية التي نوجهها له في بيروت، بعلبك، النبطية، صور، وصيدا».