من المتوقع أن يشهد الاقتصاد غير النفطي انتعاشاً ملحوظاً خلال فترة التوقعات، بعد معاناته لنحو عامين من النمو السلبي، وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الكويتي سيحقق نمواً بنسبة 2.3% هذا العام، ثم بنسبة 2.6% في عام 2025، وبعد فترة من التباطؤ، استقر نمو الإنفاق الاستهلاكي (+5.4% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2024)، ما يبرز عودة معنويات الثقة إلى السوق.

وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، شهدت المؤشرات الاقتصادية الأخرى تحسناً ملحوظاً، مثل الائتمان المصرفي (+2.2% منذ بداية العام حتى أغسطس)، والمبيعات العقارية (+24% على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي)، إلى جانب تسارع وتيرة إسناد المشاريع الكبرى، بما يوحي بأن الاقتصاد الكويتي قد يكون على أعتاب تحسن مستوى النمو.

Ad

كما تشير البيانات الرسمية (غير نهائية وقد تخضع للمراجعة) إلى أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بلغ 3.5% في النصف الأول من عام 2024، ويعزى ذلك جزئياً إلى الأداء القوي لقطاع التصنيع (خاصة في مجال التكرير) بعد الزيادة الكبيرة التي شهدها إنتاج مصفاة الزور، التي تم تدشينها عام 2023، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 615 ألف برميل يومياً.

وعلى الرغم من إمكانية حدوث انتعاش دوري فإن توقعاتنا للنمو غير النفطي أقل من المتوسط التاريخي للفترة الممتدة بين 2011 و2019 (+3.3%)، في ظل العديد من التحديات الهيكلية الرئيسية التي قد تظهر في المستقبل، ويشمل ذلك معالجة معدلات الاستثمار المنخفضة، والحاجة لضبط أوضاع المالية العامة، وانخفاض ترتيب الكويت في مقاييس القدرة التنافسية مقارنة بنظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي.

ونتوقع إحراز تقدم ملحوظ في المستقبل على هذه الصعد، مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس فعالية اتخاذ القرار في ظل المناخ السياسي الجديد، وفي حين أن الحكومة لم تصدر بعد أجندة عملها للفترة المقبلة، هناك حاجة إلى تغيير تدريجي في وتيرة تنفيذ الإصلاحات لضمان توافق نمو الكويت بصفة مستدامة مع معدلات النمو غير النفطي الحالية التي تبلغ 4% في السعودية والإمارات، كما نتطلع إلى إمكانيات نمو قوية خلال السنوات القادمة في عدد من القطاعات، مثل المرافق العامة، والإسكان، والنقل، والسياحة، والترفيه.

أما على صعيد قطاع النفط، فمن المتوقع تسجيل أول زيادة في الإنتاج منذ عامين في عام 2025، في ظل قرار منظمة أوبك وحلفائها بإلغاء التخفيضات الطوعية للدول الأعضاء اعتباراً من نهاية عام 2024، ومن المتوقع أن يزداد إنتاج الكويت بمقدار 135 ألف برميل يومياً، ليصل في المتوسط إلى 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2025، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 3.4% مقابل -6.8% في عام 2024، مما سينعكس على نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 3.0% في عام 2025 من -2.4% في عام 2024.

وتخضع مؤسسة البترول الكويتية لعملية إعادة هيكلة تهدف إلى تعزيز الكفاءة واتخاذ قرارات أسرع، لكنها تخطط لإنفاق نحو 410 مليارات دولار لتحقيق مستوى الإنتاج المستهدف في عام 2035 البالغ 4 ملايين برميل يومياً، بالإضافة إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

تراجع معدلات التضخم وبداية دورة تيسير السياسة النقدية

وسجل معدل التضخم ثباتاً نسبياً في ظل الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية والملابس، إلا أنه تراجع هامشياً إلى 2.9% على أساس سنوي في أغسطس، مقابل 3.3% ببداية عام 2024، ومن المتوقع أن يتجه التضخم نحو الانخفاض، بدعم من اعتدال وتيرة النمو الاقتصادي، واستمرار أسعار الفائدة المرتفعة، وتوجهات الأسعار الضعيفة في مناطق أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ نتوقع أن تتباطأ وتيرة التضخم من 3.0% هذا العام إلى 2.5% في عام 2025.

في الوقت ذاته، قام بنك الكويت المركزي في سبتمبر الماضي بخفض سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.0%، بعد تخفيض مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وجاء هذا القرار بعد أن رفع بنك الكويت المركزي سعر الفائدة بمعدل أقل من الاحتياطي الفدرالي خلال دورة التشديد الأخيرة.

توقع تسجيل عجز واستمرار ضبط أوضاع المالية العامة

وتعد معالجة الوضع المالي الضعيف من أهم الأهداف الرئيسية للحكومة، إذ تم تسجيل عجز في ثمانية من أصل التسعة أعوام الماضية، ومن المتوقع أن يصل العجز في المتوسط إلى نسبة 5% من الناتج في السنوات المالية 2024-2025، و2025-2026، وتشمل أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومية حالياً جمود هيكل الإنفاق العام، خاصة ارتفاع حصة الرواتب والدعوم، والاعتماد الكبير على العائدات النفطية، التي من المتوقع أن تنخفض في السنة المالية 2025-2026 على خلفية انخفاض أسعار النفط. ونتوقع أن تشهد السنة المالية 2025-2026 جولة جديدة من تقليص الإنفاق، بعد خفض النفقات بنسبة 5% هذا العام (مقارنة بالقاعدة المرتفعة للسنة المالية 2023-2024، والتي تضخمت بسبب البنود الاستثنائية)، رغم احتمال السماح بارتفاع النفقات الرأسمالية من المستويات المنخفضة التي سجلتها مؤخراً، في ظل المساعي الحكومية لتسريع وتيرة مشاريع البنية التحتية المتأخرة (كالإسكان والمياه والطاقة).

وفي سياق تعزيز الاستدامة المالية، أشار بيان بعثة صندوق النقد الدولي في ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 خلال أكتوبر إلى ضرورة قيام الحكومة بوضع إطار مالي متوسط الأجل لضبط أوضاع المالية العامة بوتيرة تتراوح بين 1% و2% من الناتج سنوياً (حتى 950 مليون دينار)، وتشمل الخطوات التي أوصى بها الصندوق وضع حدود قصوى للتوظيف في القطاع العام ومراقبة الأجور، وخفض دعوم الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب زيادة الاستثمارات. ومع ذلك، تضع الاحتياطيات المالية والخارجية الوفيرة (تقدر أصول الهيئة العامة للاستثمار بنحو 980 مليار دولار) بما في ذلك مستويات الدين المنخفضة (2.8% من الناتج) الكويت في وضع ممتاز من حيث القدرة على تحقيق التوازن بين إصلاحات المالية العامة ودعم النمو الاقتصادي - طالما يتم تجنب ضغوط السيولة على المدى القريب. من جهة أخرى، أكدت وكالة فيتش مؤخراً التصنيف الائتماني المرتفع للكويت عند «-AA».

أبرز المخاطر

تتمحور المخاطر الرئيسية التي تهدد الآفاق الاقتصادية للكويت حول توقعات أسعار النفط، والتي تتأثر بشكل كبير بقوة الاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصاد الصيني، إضافة إلى القضايا الجيوسياسية الإقليمية والتقدم المحرز في أجندة الإصلاحات الداخلية للحكومة. ورغم إمكانية انخفاض أسعار النفط أكثر مما كان متوقعاً في السابق، وعدم استبعاد تفجر الصراعات الإقليمية (ما قد يؤدي لارتفاع حاد في أسعار النفط) لكننا نرى أن إطلاق خطة اقتصادية تركز على الإصلاحات الداخلية، وتنفيذ بنودها، سيكون من أبرز العوامل الداعمة لتعزيز النمو بوتيرة إيجابية اعتباراً من عام 2025 فصاعداً.