غداة زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، التي لم تحقق أي اختراق ملحوظ في المساعي الدبلوماسية لوقف الحرب في لبنان بين حزب الله وإسرائيل، قال الحزب إنه لن يتفاوض تحت النار، وإن «القول الفصل للميدان»، فيما برز تحذير فرنسي من احتمال انزلاق لبنان إلى حرب أهلية، دون وجود أي أفق لحل الأزمة السياسية المتمثلة بشكل رئيسي بفراغ موقع رئاسة الجمهورية منذ عام 2022 وتصاعد الضغوط الأهلية والاجتماعية والأمنية الناجمة عن الحرب، فضلاً عن توسيع إسرائيل عدوانها الجوي والبري.

وفي مؤتمر صحافي في مقبرة الروضة بالضاحية الجنوبية لبيروت، أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف، إنه «لا مفاوضات تحت النار، وما لا يؤخذ بالنار لا يؤخذ بالسياسة​»، وذلك رداً على تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال فيه إنه «لا تفاوض إلا تحت النار».

Ad

وهاجم عفيف خصوم الحزب في الداخل اللبنانيين بعنف قائلاً: «ظننتم لوهلة أنّ الأمر قد انتهى، وقد استتب نظام سياسي تديره عوكر (مقر السفارة الأميركية)، نظام سياسي وأمني وقضائي جديد في لبنان، وأنّ الموفد الرفيع إياه آتٍ ليقدّم لكم بالدم والبارود وأشلاء الأطفال طبق السلطة الموعودة ورئاسة الجمهورية الموعودة».

كما شنّ هجوماً لاذعاً على وسائل إعلام لبنانية وعربية، واعتبر أن «مؤسسة القرض الحسن» التي استهدفتها إسرائيل بعنف في اليومي الماضيين، هي «مؤسسة مدنية مرخصة»، وهي ليست المسؤولة عن دفع رواتب مقاتلي حزب الله أو تمويل عملياته، كما حمّل إسرائيل مسؤولية الأسرى من مقاتلي الحزب الذين قبضت عليهم إسرائيل في معارك بجنوب لبنان، مشدداً على أن «خطوط الدعم العسكري واللوجستي للحزب عادت إلى ما كانت عليه، وقد لحقت بالعدو خسائر جسيمة بالأرواح والدبابات».

وأكد المتحدث أن حزب الله هو المسؤول بشكل «كامل وتام وحصري» عن استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا بمسيّرة قبل أيام مهدداً باستهدافه مجدداً، وذلك بعد أن وجهت إسرائيل اتهامات لإيران بالمسؤولية عن الهجوم.

وسمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية أمس بنشر صور عن الاضرار في منزل نتنياهو. وبحسب «القناة 12» الإسرائيلية، أصابت المسيّرة نافذة غرفة نومه. جاء كلام عفيف بعد تصريحات لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية التابعة للحزب النائب محمد رعد دعا فيها إلى «تقنين الدبلوماسية والاحتكام الى الميدان». وقال رعد لصحيفة «الأخبار» الموالية لحزب الله: «الميدان هو الحَكَمُ وله القول الفصل، وكُل كلام آخر بعيد عن هدف النصر على العدو، سواء مع موفدي الخارج أو مع أهل الداخل، يحسن تقنينه أو التريث في البتّ به وتقرير المُناسب إزاءه، لأن اللحظة الراهنة مُتغيرة ومُتحركة، ويجدر أن لا يُقال الكلام إلا ارتكازاً إلى قواعد ثابتة».

من ناحيته، قال نتنياهو أمس، إن «سكان الشمال سيعودون إلى ديارهم وهذه مهمة أخذتها على عاتقي ولن تزحزحني عنها أي ضغوط محلية كانت أم خارجية». وأظهر استطلاع للرأي نشر أمس، أن 70 في المئة من سكان الشمال لا يرغبون بالعودة الآن.

تحذير فرنسي

إلى ذلك، اعتبر وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، إن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان يمثّل «ضرورة لأمننا الجماعي»، محذّراً من انهيار هذا البلد ومن خطر اندلاع «حرب أهلية وشيكة» فيه.

وقال الوزير الفرنسي، في تصريح لقناة «إل سي إي» التلفزيونية، «إن موقفنا، في الوقت الراهن، قائم خصوصاً على تخوّف من حرب أهلية وشيكة في لبنان». ودعّم الوزير تحذيره بالإشارة إلى المجتمعات النازحة و«الديناميات القوية جداً بين المذاهب وإضعاف حزب الله الذي هو نبأ سار، لن نقول عكس ذلك». وأضاف «ترون بالفعل أنّ لبنان يمكن أن ينهار بعد أكثر».

وفيما كشف تقرير لـ «فايننشال تايمز» أن القوات الإسرائيلية اعتدت على قوات اليونيفيل الأممية 12 مرة منذ بدء الحرب، أعرب لوكورنو عن أسفه «لعدم اتّخاذ الجيش الإسرائيلي على الدوام التدابير الأمنية اللازمة في عملياته».

وشدّد الوزير الفرنسي على أنّ «تعاقب الانتصارات التكتيكية من خلال تحييد عدد معيّن من الإرهابيين، لا يوفر آفاقاً جلية وتلقائية لأمن إسرائيل على المديين المتوسط والطويل».

باسيل

وتقاطع كلام الوزير الفرنسي مع تصريحات لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لقناة «العربية» كان أدلى بها قبل أيام لـ«الجريدة» يحذر فيها من «خطر حقيقي لفتنة داخلية وخطر وجودي لتقسيم لبنان».

وقال باسيل، إن «التيار الوطني الحر»، وهو واحد من أقوى حزبين مسيحيين إلى جانب القوات اللبنانية، لم يعد في موقع تحالف مع حزب الله وأن الخلاف وقع على موضوع إسناد غزة.

ورأى أن حزب الله أسقط عن لبنان حجة الدفاع عن النفس بإسناد غزة وأضعف نفسه وتسبب بخسارة لبنان لقوته.

وحمل باسيل الحزب ما وصفه بـ «الخطأ الاستراتيجي بسياسة وحدة الساحات»، لافتاً إلى أن الحرب القائمة بدأت بهجوم حزب الله على إسرائيل. واعتبر أن هذه السياسة تصب في مصلحة دول أخرى وليست لمصلحة لبنان. وقال إن على إيران أن تحارب إسرائيل مباشرة وليس عبر طرف آخر، وكشف باسيل أن تياره ليس في وضع تحالف مع حزب الله.

وفيما يتعلق بأزمة انتخاب رئيس للبلاد، قال باسيل، إنه طرح على رئيس مجلس النواب نبيه بري عدة أسماء وليس مرشحاً واحداً، ورأى أن قائد الجيش جوزيف عون لا يملك مشروعاً للبنان ولا يجمع اللبنانيين.

وتأتي التحذيرات الفرنسية ومخاوف باسيل في وقت تتصاعد التوترات الداخلية على خلفية الضغوط الكبيرة التي تسببت بها الحرب على الجبهة الداخلية اللبنانية الهشة. واشتبك نازحون أمس الأول مع القوى الأمنية التي حاولت إخلاء مبنى اقام فيه نازحون دون إذن ملّاكه. وهذه حادثة من عشرات الحوادث التي تتكرر يومياً منذ أسابيع.

استهداف

ميدانياً، شن الطيران الحربي أكثر من مئة غارة على مناطق متفرقة في لبنان ليل الاثنين ـ الثلاثاء ويوم أمس. وتكثفت الضربات على الضاحية الجنوبية لبيروت رغم تصريحات أميركية متكررة بأن واشنطن لا تريد أن ترى غارات منتظمة على العاصمة اللبنانية.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أمس ارتفاع حصيلة غارة إسرائيلية على محيط مستشفى رفيق الحريري في بيروت إلى 13 قتيلاً و57 جريحاً. وقال الجيش الإسرائيلي إنه قصف هدفاً تابعاً لـ«حزب الله» قرب المستشفى، وإنه لم يكن يستهدف المستشفى الذي لم يتأثر جراء القصف. كما زعم الجيش الإسرائيلي أن مستشفى الساحل يضم مخازن تحت الأرض تابعة لحزب الله، مضيفاً أنه «استهدف عتاداً بحرياً لحزب الله كان معداً لضرب سفن حربية وأهداف استراتيجية في عرض البحر»، وأنه «تمت مهاجمة القاعدة المركزية للقوة البحرية لحزب الله في بيروت والتي استخدمت مركز عمل حيوي لحزب الله لتخزين قطع بحرية سريعة وإدارة تجارب وإرشادات للقوة البحرية في التنظيم».

في المقابل، أطلق «حزب الله» أكثر من 100 صاروخ باتجاه مناطق مختلفة، بينها قاعدة «ستيلا ماريس» البحرية شمال غرب حيفا وموقعين في ضواحي تل أبيب أحدهما قاعدة تابعة لوحدة استخبارات عسكرية إسرائيلية.

كما تواصلت العمليات البرية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي الذي يسعى حسب تقارير إلى إقامة منطقة أمنية بعمق 5 كيلومترات عبارة عن «أرض محروقة» غير قابلة للسكن.

ووزع الجيش الإسرائيلي أشرطة مصورة لتدمير عشرات المباني في عدة قرى على الحافة الأمامية للحدود في عيتا الشعب وبنت جبيل وغيرها، فيما قال الحزب إنه استهدف دبابات إسرائيلية متوغلة داخل الأراضي اللبنانية وحقق إصابات. وأقرّ الجيش الإسرائيلي أمس بإصابة نحو 25 جندياً في العمليات أمس الأول بلبنان.