ليس في السياسة لغة غير لغة المصالح المشتركة (هات وخذ) خصوصاً بين الدول، وما خرج عن ذلك مجرد استثناءات، ودولة الكويت كانت خير مثال في (النبل) السياسي، ففي عملها الخيري للدول الشقيقة والصديقة كانت وما زالت تنثر القروض والمساعدات بصمت عجيب وتنفذ المشاريع الكبرى بهدوء أسطوري، بدليل أنه عندما وقع انفجار ميناء بيروت المدوي عام 2020م اكتشف الكويتيون قبل اللبنانيين أن صوامع تخزين القمح في الميناء المدمر بنيت بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بين عامي 1968م و1970م.
الكويت قدمت الكثير بلا مقابل، وعندما أتيحت لها الفرص عدة مرات لتفرض شروطها امتنعت وفضلت السير في طريقها المعتاد وهو العطاء بصمت، وما زلت أذكر أن الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، تلقى اقتراحاً من أحد الرؤساء العرب بأن أفضل وقت لترسيم الحدود مع العراق هو الآن، أي خلال الحرب وحاجة العراق لمساعدات الكويت، الشيخ جابر، رحمه الله، رفض المقترح وفضل إعلاء قيم الأخوة العربية وحفظ الجيرة على أن يستغل الوضع الصعب الذي يمر به العراق، وكلنا نعرف ماذا حدث بعد نهاية تلك الحرب المدمرة!!
مناسبة هذا الكلام هي الوضع الأمني الإقليمي المتوتر في المنطقة والأحداث المتصاعدة في غزة ولبنان وإيران واليمن والعراق، وضرورة أن تستفيد الكويت من تلك الأوضاع لترسيم حدودها البحرية وبشكل نهائي مع إيران، وإغلاق ملف المطالبات الإيرانية بحقل الدرة، وأي شيء يدخل ضمن حدود الكويت البرية والبحرية، أما لغة التهديد والوعيد التي نسمعها من طهران في لعبة التأكيد والنفي فبالإمكان تجاوزها واعتبارها من عدة الاستهلاك المحلي التمثيلي.
إن إيران تعلم أنها ومنذ بداية الحرب في غزة، دخلت في مستويات جديدة من المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، لم تعد فيها الاستعانة بأذرعها الخارجية كافية لتعزيز وضعها التفاوضي، وكانت البداية الصادمة في اكتشاف وجود اختراق أمني نجم عنه اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، ثم استهداف جنوب لبنان واغتيال قادة حزب الله وحماس، وعندما وقع الرد الفعل الإيراني بإرسال الصواريخ لتل أبيب، بدأت طهران بقلق انتظار رد الفعل الصهيوني دون أن تعرف أين وماذا ومتى؟ في مثل هذه الأوضاع الضاغطة تتبدل الحسابات وتصبح الخلافات والمطامع الحدودية تافهة مقارنة بالأخطار القادمة، وهنا يجب أن تستفيد الكويت ودول الخليج من حالة التهدئة الإيرانية ورغبتها في تجديد قنوات الاتصال وتدفئتها بضمانات حقيقية تحدث على الأرض لا داخل الغرف المغلقة، ففي النهاية لن يستفيد أحد من حالة التوتر والتنافر بين إيران وجاراتها العربية غير الكيان الصهيوني.
في الختام تلك فرصة جديدة أمام الكويت قد لا تتكرر خاصة وأن هوية زعيم البيت الأبيض لم تتحدد حتى الآن.