بينما توّجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى الناخبين اللاتينيين قبل أسبوعين من الاقتراع المقرر في الخامس من نوفمبر المقبل، حذّرت منافسته الديموقراطية كامالا هاريس من أنه يشكل تهديداً لحقوق الإجهاض والأمن القومي والديموقراطية، وهاجمت مدى لياقته لمنصب الرئيس، ووصفته بأنه «غير مستقر» أو «غير متوازن».
وقالت هاريس في بنسلفانيا، إحدى الولايات المتأرجحة الحاسمة، إن ترامب «غير جاد، وعواقب كونه رئيساً للولايات المتحدة ستكون خطيرة جداً»، في حين ازداد خطاب ترامب تشدداً، حيث هدّد باستخدام الجيش ضد الديموقراطيين الذين وصفهم بأنهم «عدوّ الداخل».
تقدم طفيف
وأظهر استطلاع جديد أجرته «رويترز-إبسوس» تقدم هاريس بفارق طفيف بحصولها على 46 في المئة من آراء المشاركين في الاستطلاع مقابل 43 بالمئة لمنافسها الجمهوري ترامب، بينما يرى ناخبون متشائمون أن الولايات المتحدة تسير في اتجاه خاطئ، لاسيما في قضايا الاقتصاد والهجرة والإجهاض والتهديدات السياسية.
وتضخّ الحملتان مئات ملايين الدولارات في محاولة أخيرة لكسب تأييد أي ناخبين لم يحسموا قراراتهم بعد يمكن أن يقلبوا النتيجة لمصلحة طرف أو آخر.
تصويت مبكر
وشارك أكثر من 15 مليون أميركي في التصويت المبكر عبر البريد الإلكتروني أو شخصياً، حيث قالت هاريس في حديث للصحافيين «إننا نشهد إقبالاً قياسياً»، بينما قلّص الجمهوريون «الفجوة في التصويت المبكر» مقارنة بالدورات الانتخابية السابقة، وفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، مشيرة إلى أنه تاريخياً، سيطر الديمقراطيون على التصويت المبكر، لكن الناخبين الجمهوريين، يشاركون بشكل متزايد في هذه الممارسة هذا العام.
وفي الولايات التي يسجل فيها الناخبون حسب الحزب، تم الإدلاء بحوالي 47 في المئة من الأصوات المبكرة من الديموقراطيين و33 في المئة من الجمهوريين، مما يعكس فجوة أضيق مقارنة بانتخابات 2020 (52 في المئة مقابل 24 في المئة).
وعلى الرغم من معارضة ترامب السابقة للتصويت المبكر، فإن حملته الآن تحث المؤيدين على التصويت مبكراً. ويشعر الجمهوريون بالتفاؤل حيال تقدمهم، حيث يعتقدون أن هذا يتيح لهم توجيه موارد الحملة نحو استهداف ناخبين آخرين.
«حرب أهلية»
وبلغ العنف والاستقطاب بين هاريس وترامب ذروته قبل أسبوعين من الاقتراع، وفق ما أوضح مدير الدراسات في شركة إيبسوس هوفبوست، ماثيو غالارد، الذي ألّف كتاباً صدر قبل شهر واحد فقط من الانتخابات بعنوان «الولايات المتحدة على شفا حرب أهلية؟»، محذراً من أن «العديد من الأميركيين يرفضون، بل ويكرهون الأميركيين الذين ينتمون إلى المعسكر المقابل. يبدو أن الكتلتين تعيشان على كوكبين مختلفين».
ومنذ العام 2019، شق مصطلح «الحرب الأهلية» طريقه إلى وسائل الإعلام، فقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً مثيراً للقلق تحت عنوان «في أميركا، تدور المحادثات حول شيء لم يتم الحديث عنه منذ 150 عاماً: الحرب الأهلية»، قبل عامين من الانتفاضة التي قادها أنصار ترامب في مبنى الكابيتول، والذين لم يعترفوا بهزيمة بطلهم، والتي كادت أن تقلب الديموقراطية الأميركية.
ومنذ ذلك الحين لم يتحسن الوضع، فالمحافظون متحمسون جداً تجاه الجمهوري الذي لم تهدأ تصريحاته، وضاعف في الأسابيع الأخيرة من هجماته، ودعا في أحد خطاباته إلى تعبئة الجيش «إذا لزم الأمر» لمواجهة «اليسار الراديكالي» في يوم الانتخابات، معتبراً أن الهجوم على الكابيتول كان «يوم حب».
في هذا الصدد، تحدثت أستاذة التاريخ في جامعة بوسطن والمتخصصة في الحرب الأهلية، نينا سيلبر عن «تطبيع مع العنف السياسي»، في حين حذر غالارد من أن «جرائم الكراهية» تتزايد باستمرار في الولايات المتحدة، مشيراً إلى تحقيقات الشرطة الأميركية في «أعمال إرهابية، غالباً ما يرتكبها أفراد أو مجموعات من اليمين المتطرف معادية للأقليات أو ذات آراء مناهضة للإجهاض».
وشددت سيلبر على أن «التطبيع مع العنف السياسي سيحوّل الحرب الأهلية إلى نبوءة ذاتية التحقق»، مشيرة إلى أن أحد المؤيدين المتحمسين للمرشح الجمهوري قال بينما كان يرتدي قبعة (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) «نحن بالفعل في حرب أهلية. الأمر فقط أننا لم نطلق النار بعد».
وأوضحت أن العنف السياسي لا يقتصر على أنصار ترامب المتشددين، حيث أظهرت دراسة أجراها مشروع شيكاغو للأمن والتهديدات في يوليو الماضي أن حوالي 10 بالمئة من الأميركيين، أي 26 مليون شخص، يؤيدون استخدام القوة لمنع ترامب من أن يصبح رئيسًا، ما ينذر بتوقعات أسوأ بعد الخامس من نوفمبر المقبل.
ومع ذلك، رجحت المؤرخة سيلبر «ألا تندلع حرب أهلية كما قد يتصور البعض بين معسكرين منظمين ومسلحين للغاية»، فيما اعتبر غالارد أن «هناك بالفعل شعورًا في الولايات المتحدة بأن البلاد تتجه تدريجيًا نحو نوع من الحرب الأهلية الكامنة، يمثل الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 إحدى ثمارها».
وحذر من «ديناميكية تضخيم ظاهرة الاستقطاب والتطرف» التي قد «تصبح خارجة عن السيطرة عند نقطة معينة»، لذلك من الصعب توقع ما سيحدث خلال الانتخابات والأسابيع التي ستليها، بينما أكدت سيلبر أن «الناس بحاجة فعلاً إلى أن يأخذوا ترامب على محمل الجد عندما يقول إنه لن يقبل النتائج إذا خسر».