غاية الحروب «ووجود الكيان المحتل» مخطط استعماري
فرحة معظم الدول العربية وربما الإفريقية، ومعها دول آسيوية وغيرها، بحركات التحرر الوطني من الاستعمار هي فرحة مشروعة وطبيعية، فالتحرر والاستقلال وامتلاك القرار الوطني الحر غاية كل الشعوب الحرة الأبية.
لكن تعالوا معاً نرَ ماذا صنعت الدول الاستعمارية، وماذا صنع الغرب ليبقي استعماره لنا مستداماً وحاضراً في كل الأوقات وبأشكال ومظاهر متعددة لتتحقق له نفس الغايات والأهداف التي أرادها بالاستعمار العسكري!
وقد بدأوا - ليسهلوا مهمتهم في الاستمرار- بتقطيع دول العالم، فالهند قُسمت للهند وباكستان، ثم باكستان قسمت لباكستان وبنغلادش، وتركة الخلافة العثمانية تم اقتسامها، فالدول العربية قطعت باتفاقية سايكس-بيكو وتم تقسيمها، وكذلك الأمر لعدد من الدول الإسلامية، إذ تم تقطيعها وتقاسمها مناطق نفوذ بين الدول المنتصرة بالحرب العالمية، مع تحييد وتقييد الدول المهزومة!
فالغاية دائماً هي نهب ثروات ومقدرات هذه الدول والشعوب وجعلهم في حالة تبعية كاملة للدولة الاستعمارية الغربية، يعتمدون عليها في كل شيء، لتكون قراراتهم ومصالحهم تحت أيديها خاضعة لها ولتوجيهاتها بما يحقق مصالحها ويمنحها المُكنة من حيازة ثروات هذه الدول والتحكم فيها وإخضاعها للانكسار الثقافي والحضاري، ووضع شعوبها بحالة السُّخرة! لتحقيق رفاه الدول المستعمرة وشعوبها بهذه الثروات. والخضوع لحالة السخرة يشمل الثروات والعقول والأبدان، فكان لها ذلك، من خلال صور متعددة وأساليب متنوعة لتلك السيطرة والتحكم! بما في ذلك تغذية النزاعات الإثنية والعرقية والدينية وتشجيع الظلم والقهر والاستبداد! وإبقاء الجهل وتضاؤل فرص العلم وهزال مؤسساته!
فخذ الهند مثلاً، فقد كانت أغنى دول العالم قبل الاستعمار الإنكليزي، فصارت من أفقرها وتدور في فلك الدول الاستعمارية اليوم، وفي داخلها عوامل عدم استقرارها بسبب تلك الأساليب الاستعمارية المستمرة!
وفلسطين التي كانت من أكثر الدول ثراءً ورغداً بالعيش قبل اغتصابها من اليهود! وزرع اليهود هو في حقيقته زرع لجيش استعماري في مراده الحقيقي (وتم إلباسه رداءً دينياً يهودياً وبمنطق غايته منحهم وطناً قومياً!)، وهو غير ذلك تماماً، ولذا وجدوا ضالتهم، ليس بالدين اليهودي واليهود حقيقة، بل بالصهيونية العالمية، التي هي فكرة وحركة أوسع وأبعد في تكوينها ومقاصدها عن اليهودية المجردة، وينخرط فيها فئات عديدة لا اليهود فقط! وكل ذلك في منطقة بحيرات النفط، ومنطقة التقاء الشرق بالغرب، ومنطقة الحضارات، ومنطقة طرق التجارة العالمية والبينية! ألا وهي فلسطين قلب العرب والمشرق! وهذا سر حفاظهم ودفاعهم وحمايتهم لهذا الكيان «اللقيط» المحتل الذي هو ذراعهم ومولودهم الذي يمثل مصالحهم ويحميها ويبقي المنطقة خاضعة وتابعة لهم!
وقد كانت مصر أيضاً من أكثر الدول رخاءً وقوة في الثروة والعملة والرخاء والموارد قبل انقلاب 1952! الذي كان بفعلهم وترتيبهم، وهو الشأن ببقية الدول العربية والإسلامية، التي خضعت لهم طوعاً أو كرهاً وقهراً أو حماقة وسذاجة أو طمعاً وغروراً!
فذاك اليمن، الذي كان سعيداً قبل ابتلائه بالبعث والاشتراكية، صار مفككاً وضعيفاً، وأضحى أكثر فقراً مع الحوثيين!
وها هو لبنان الذي كان الأجمل بين الدول وأكثر الشعوب رفاهية قبل الاحتلال الفرنسي وتقسيمه طائفياً على يد المستعمر! وهو ما شاهدناه في العراق، والمخطط ما زال مستمراً وسيشمل سورية والسودان وغيرهما!
وهو نفس السيناريو الذي نشهده في إفريقيا ونموذجها الآخر للغاية الاستعمارية ذاتها! وهو سبب فقرها وويلاتها وتفككها وهيمنة المستعمر عليها!
وها نحن نرى اليوم معظم دول العالم أكثر بؤساً وفقراً بسبب الدول الاستعمارية والكبرى المتحكمة بها ونهبها المستدام لثرواتها، واستمرارها بالتحكم فيها، وصارت القرارات الوطنية للدولة الخاضعة - في حقيقتها- بيد الاستعمارية من خلال أطر ونماذج استعمارية تتواكب ومتطلبات كل مرحلة منذ أربعينيات القرن الماضي وكذلك في القرن الحالي!
هذه هي حقيقة الصراع، وما يجب أن ندركه ونعلمه ونتعلمه ونعلّمه أحفادنا ليتحقق لنا الاستقلال الحقيقي والوحدة، وهو ما يعني آنذاك امتلاك قرارنا الوطني!