أوصى صندوق النقد قبل أيام قلائل بتوصيات يرى ممثلوه أنها كفيلة بتحقيق إصلاحات اقتصادية تعالج مواطن خلل وجوانب قصور في الاقتصاد المحلي كانت تدور حول تقليل المصروفات وزيادة الإيرادات، ولكن من خلال إجراءات وآليات تمس فقط المواطن وكأنها تحمل المواطن البسيط هذه التحديات الاقتصادية بشكل ضمني حيث كان من أبرزها موضوع هذه المقالة التوصية «بالتخلص التدريجي من الدعم الكبير للطاقة». إلا أن ما يغيب عن الذهن هو مدى مواءمة الاقتصاد المحلي لمثل هذه الاصلاحات، وهو أمر مهم وجدير بالنظر، فما يتناسب مع طبيعة اقتصاد ما قد لا يتناسب مع اقتصاد دولة أخرى لأسباب وظروف عدة. لذا، تسلط هذه المقالة الضوء على مدى مبررات تقديم هذه التوصية على إصلاحات قد تكون أكثر أولوية واستحقاقاً من رفع الدعوم، وعلى تحليل آثار مثل هذه التوصية فيما لو تم تطبيقها على الأسواق والاقتصاد المحلي.
بادئ ذي بدء، يدعي ممثلو صندوق النقد أنهم Experts في الاقتصاد ولكن هؤلاء الخبراء غاب عنهم الدقة والموضوعية في توصيف وتشخيص معضلات الاقتصاد المحلي الحقيقية من حيث الأولوية والأكثر أهمية.
حيث قدموا عوضاً عن ذلك تشخيصاً سطحياً يتفق تماماً مع نوايا حكومية ما فتئت تروجها في تمازج يثير الغرابة عن مدى استقلالية ممثلي هذه الجهة في المنطقة. فقضايا من مثل التنافسية الضعيفة وانعكاساتها السلبية على مستوى الخدمات والسلع والأسعار، وموارد مالية وبشرية غير مستغلة بالشكل الأمثل، وآليات ووسائل إنتاج متبعة قديمة ومكلفة، وأسواق مال غير جاذبة، ومبادئ حوكمة ضعيفة وهشة نصاً وتطبيقاً، وسياسات مالية ونقدية متضاربة، لم تكن ذات أولوية لدى ممثلي هذه الجهة رغم أهميتها وتأثيرها المباشر على الاقتصاد المحلي.
وعوضاً عن ذلك كان رفع الدعوم بالإضافة إلى توصيات أخرى جميعها تمس جيب المواطن مباشرة هي الأولى من وجهة نظرهم، على الرغم من أن المواطن كان ومازال ضحية سياسات اقتصادية فاشلة لعقود طويلة. أما مبررات مثل هذه التوصية، وهي تقليل المصروفات، فلا ترقى حتى للنقاش، فتكلفة الدعوم ليست الأعلى مقارنة بمصروفات أخرى سبق أن تطرقنا لها في المقال السابق، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن مصطلح الدعوم مصطلح عام يندرج تحته مصروفات تتعلق بدعم مؤسسات وأنشطة معينة، أي أن هذه الدعوم التي يبالغ في تضخيم مصروفاتها ليست مخصصة فقط للأفراد.
أما فيما يخص عواقب تطبيق مثل هذه التوصية، فهي بلا شك عديدة من أهمها في الجانب الاقتصادي مساهمتها في رفع مستوى الغلاء الذي هو بالأصل معضلة لا زالت الحكومة عاجزة عن معالجتها بسبب سياسات وقوانين تعزز الاحتكار وتضع العراقيل أمام دخول أي منافسين جدد للأسواق يساهمون إيجاباً في تحسين مستوى التنافسية. وهذا السبب وحده كفيل بأن يكون مبرراً كافياً لرفض مثل هذه التوصية باعتبار أن الغلاء أو التضخم يعدان أحد أهم مستهدفات الدول من حيث السيطرة عليه في مستويات متدنية لتجنب آثاره السلبية الاقتصادية والاجتماعية. الغريب أن تقرير هؤلاء الخبراء يرى أن السياسات النقدية ساهمت في الحد من التضخم! في تجاهل صريح لنسب انخفاض التضخم في اقتصاديات الولايات المتحدة واليورو والمملكة المتحدة مقارنة بنسبة الانخفاض في الكويت والذي حتى من حيث المؤشر لا يزال 3 بالمئة أعلى من جميع تلك الدول التي بلغ فيها التضخم مستويات تقارب 10 في المئة.
ختاماً، إن الانجرار وراء سياسات بناءً على توصيات من جهات وهيئات اقتصادية معينة أمر لا يستقيم مع حكومة لديها أجهزة ومؤسسات متخصصة يفترض أن القائمين عليها على معرفة وإدراك تام لكل أبعاد مثل هذه السياسات. وعليه نعتقد أن الدعوم ليست هبة مجانية وإنما سياسة بديلة لفشل الحكومة في سياساتها الاقتصادية نحو تحقيق نمو اقتصادي شامل ومتوازن في كل القطاعات ولعدم مقدرة الحكومة على تحقيق العدالة وسد فجوة التمييز والطبقية في المجتمع سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بضعف كفاءة الأسواق أو أسباب أخرى تتحملها جميعها الحكومة منفردة باعتبارها من تضع كل السياسات ومن تهيمن على جميع مؤسسات الدولة التنفيذية.
* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة
Soud.almutairi@port.ac.uk