«بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ»، مثل عربي قديم يُقال لمن يهدد مَنْ لا يعرفه، ويتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور، فيرد عليه مَنْ يعرفه بأنه ضعيف الحال، فهو لا يستطيع حتى إيذاء ذبابة: «بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ»، اذهب وافرد عضلاتك على غيري، على مَنْ لا يعرف ضعفك.

فهَدِّد مَنْ لا علم له بك، فإن مَنْ عرفك لا يعبأ بك ولا بتهديدك، والتبريق‏:‏ تحديد النظر، ويروى ‏«‏برّقي‏»‏ بالتأنيث، يُقال‏:‏ بَرَّقَ عينيه تَبريقاً، إذا أوسعهما، أي بحلق بعينيه يريد إرهاب مَنْ يتوعده، كأنه قال بَرّق عينيك، فحذف المفعول به، ويجوز أن يكون من قولهم‏:‏ رَعَد الرجل وَبَرَق، إذا أوعد وتهدَّد، وشدد إرادة التكثير، أي كثّر وعيدَك لمن لا يعرفك‏.

Ad

سيدنا علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، استعان بهذا المثل، قائلاً:

«وقَدْ أرْعَدَوا وَأَبْرَقُوا، ومع هذين الأَمْرَينِ الفَشَل، ولَسْنا نُرْعِدُ حتى نوقع، ولا نَسِيل حتى نَمطر»، فالوعيد أو التهديد لابد أن يتبعه فعل، وإلا فلن يعدو أن يكون هرجاً، كما قِيل في المثل الكويتي: «الهرج وايد (أي كثير)، والصمايل (أي الأفعال) جليلة (أي قليلة)»، وقد يرد عليه أحدهم بمثل كويتي آخر: «شعلى الذيب من صراخ النّعية»، وهنا تم استبدال الكلمة الأصلية، لعدم ملاءمتها في مقالنا هذا بكلمة «صراخ» النعجة، والمقصود منه ما همّ ذو القوة من تهديد الوضيع.

فقال الشاعر في ذلك:

يا جل ما بعدت عليك بلادنا

أبرق بأرضك ما بدا لك وارعدِ

وقال آخر:

أبرق وأرعد يا يزيد

فما وعيدك لي بضائر

وقال غيره:

إذا جاوزت من ذات عرق ثنية

فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد ‏

فما أكثر مَنْ يهدد، وما أكثر مَنْ يذل ويخنع عند أول مواجهة.