بمشهد متفق عليه مسبقاً وقابل للتأويل، وبسيناريو كتبته الولايات المتحدة، مع دور روسي تمثل في إبلاغ طهران بحيثيات الهجوم عليها، ووسط تحذيرات من عشرات الدول، نفذت إسرائيل ضد إيران فجر أمس، ضربة في رد منها على هجوم صاروخي إيراني تعرضت له مطلع الشهرالجاري.

وخلال الضربة «المنسقة»، قصفت إسرائيل عشرات المواقع في إيران وسجلت نقاطاً بشأن قدرتها على اختراق الدفاعات الإيرانية ووصول مقاتلاتها إلى عمق الجمهورية الإسلامية، التي يمكن أن تقول إنها تصدت للهجوم وأفشلته، وهكذا بات بإمكان المنطقة والعالم تنفس الصعداء، مع انحسار شبح الحرب الإقليمية الشاملة الجاثم على المنطقة منذ أشهر، أقله حتى التنسيق للرد الإيراني غير المرجح على إسرائيل.

Ad

وكشف مصدر عسكري في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ«الجريدة» أن الروس قاموا بتنسيق العملية بين الإسرائيليين والإيرانيين، الذين تلقوا عروضاً وطلبات من الأميركيين لقبول استهداف بعض المواقع مقابل امتيازات مثل تعليق بعض العقوبات.

ووفق المصدر، فإنه في ظل عدم استجابة الإيرانيين للرسائل الأميركية المتعددة لتمرير الهجوم دون رد، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال استقباله نظيره الإيراني مسعود بزشكيان في قازان، الوساطة والتنسيق بين إيران وإسرائيل للجم التصعيد في المنطقة ووقف إطلاق نار في غزة ولبنان.

وأوضح المصدر أن بزشكيان وافق شخصياً على الوساطة الروسية، على أن يبحث الموضوع مع المرشد الأعلى علي خامنئي، وبالفعل حصل على موافقته فور عودته إلى طهران.

وأشار إلى أن الإيرانيين أبلغوا الأميركيين الخميس الماضي قبولهم التنسيق بشأن الرد الإسرائيلي بشرط الحصول على ضمانات بوقف إطلاق النار في لبنان وغزة ووقف العمليات الإسرائيلية ضدهم ومن ضمنها الاغتيالات، مبيناً أن الأميركيين أجابوا على الفور وخلال أقل من ساعة بأنهم مستعدون لتقديم كل الضمانات اللازمة بهذا الشأن، وطلبهم الوحيد من إيران هو وقف التصعيد قبل الانتخابات الأميركية وانتهاء الأمر باستهداف عدد من المواقع الخالية مع تعهد إدارة الرئيس جو بايدن بإجبار إسرائيل على وقف الحرب على لبنان وغزة وتوقف عملياتها ضد إيران بمجرد انتهاء الانتخابات، سواء انتخبت نائبته كامالا هاريس أم لا.

وقال المصدر إن الرسالة الأميركية نصت صراحة على أن بايدن سيكون لديه سلطة كاملة خلال الفترة الانتقالية بعد الانتخابات، أياً كان الرئيس المنتخب، تخوله فعل العديد من الأشياء التي لم تسمح له الظروف بفعلها خلال الفترة الماضية بسبب الظروف الانتخابية وضغط اللوبي اليهودي عليه، ولكن بمجرد الانتهاء من الاستحقاق ستكون يده مطلقة لفعل العديد من الأشياء، ومن ضمنها وقف الحرب في الشرق الأوسط، حتى العودة للاتفاق النووي الإيراني، وعليه سيسعى كي يسجل هاتين النقطتين في مسيرته الرئاسية قبل إنهائها.

وأضاف أنه بعد هذه الرسالة أبلغت إيران الأميركيين عن 3 مواقع عسكرية خالية يمكن للإسرائيليين استهدافها وتم التنسيق مع الروس الذين طمأنوا بأن دفاعاتهم الجوية المنتشرة بإيران والموجودة في بحر قزوين جاهزة لمساعدتها للتصدي لأي هجوم على أي موقع آخر عدا الثلاثة المحددة، وقام الروس بربط أنظمة أقمارهم الصناعية التجسسية المتمركزة على منطقة الشرق الأوسط بالأنظمة الإيرانية، حيث تمكن الإيرانيون من رصد كل التحركات الإسرائيلية لحظة بلحظة.

وأكد المصدر أن إسرائيل بدأت العملية فور تلقيها إحداثيات المواقع الخالية، وأبلغت الروس الذين أعلموا الإيرانيين بدورهم، بزمان بدء الهجوم وطريقة تنفيذه والنقاط المستهدفة، لافتاً إلى أن المرشد أمر الجيش الإيراني بإطلاق صواريخه البالستية المجهزة برؤوس متفجرة، تجاه إسرائيل لو قامت باستهداف أي مواقع غير الخالية، لكن الإسرائيليين لم يقوموا باستهداف غير الأماكن المحددة والمنسقة مسبقاً.

ورغم أن العديد يعتبرون أن العملية انتهت، أشار المصدر إلى أن الجيش الإيراني لم يلغ قرار الجهوزية القصوى، تحسباً لأن تكون هذه العملية الاسرائيلية خدعة لعملية أخرى.

ومع توالي التحذيرات الخليجية والعربية والدولية من الحرب الإقليمية، دانت الكويت العدوان الإسرائيلي على إيران ورفضته بشدة، معتبرة أنه يعكس «سياسة الفوضى التي تنتهجها قوات الاحتلال من خلال انتهاك سيادة الدول وتعريض أمن المنطقة للخطر وتجاوز مبادئ القانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية».

وشدد وزارة الخارجية على أن دولة الكويت تجدد مطالبتها للمجتمع الدولي ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم لوقف هذه الممارسات التي تهدد مستقبل المنطقة وشعوبها وتؤكد ضرورة اتخاذ خطوات جادة للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.

وفي الأمم المتحدة، قال الملحق الدبلوماسي بوفد الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة علي القلاف مساء أمس الأول إن اعتداءات الاحتلال على الشعب الفلسطيني جعلت قطاع غزة شاهداً على إحدى أكبر المآسي في التاريخ الحديث، واصفاً عدم تحرك المجتمع الدولي بأنه «وصمة عار» لن يمحوها التاريخ.

وفي تفاصيل الخبر:

نفذ الجيش الإسرائيلي هجوماً جوياً انتقامياً طال انتظاره ضد إيران ووصفه بالدقيق، فجر أمس، فيما سعت طهران إلى التهوين من تأثيره وأضراره بعد أن تردد أنها أُبلغت به مسبقاً عبر وسطاء دوليين لتفادي انزلاق المنطقة إلى أتون حرب إقليمية شاملة.

وقال الجيش الإسرائيلي، إن هجومه العلني الأول تم بمشاركة 100 طائرة مقاتلة وجاء على 3 موجات واستهدف 20 موقعاً داخل إيران، رداً على وابل الصواريخ البالستية التي أطلقتها طهران ضد الدولة العبرية في أبريل الماضي ومطلع أكتوبر الجاري.

وأكد أن جميع الطائرات عادت إلى قواعدها بسلام، موضحاً أن الغارات شملت عدة مواقع عسكرية لإنتاج الصواريخ والمسيّرات والدفاعات الجوية بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.

وزعم أن إسرائيل فعّلت بعض قدراتها العملياتية الهجومية لاستهداف مواقع استراتيجية داخل إيران، التي اتهمها بدعم الإرهاب وتهديد أمن المنطقة برمتها.

وصرح المتحدث باسم الجيش دانييل هغاري بالقول: «يوجد حالياً لدولة إسرائيل حرية عمل جوي أكبر، في إيران» بعد تحييد كامل لبطريات الدفاع الجوي الإيرانية.

وأطلق على حملة القصف اسم «أيام التوبة». وقال إن الجيش لديه مجموعة واسعة من الأهداف التي يمكنه ضربها في المستقبل إذا لزم الأمر.

تفاصيل وأضرار

وفي وقت سعت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي امتنعت عن استهداف منشآت طاقة أو نووية، لمنح مساحة من الغموض تمكن إيران من عدم الرد على الضربة العلنية غير المسبوقة، قال مسؤول إسرائيلي إن بلاده استهدفت غالبية قدرات طهران على إنتاج صواريخ أرض - أرض.

وشبه المسؤول تأثير الضربات بتدمير خط إنتاج الصواريخ بـ»شركة رفائيل»، في إشارة إلى شركة تكنولوجيا الدفاع الكبرى في إسرائيل.

واستهدفت بحسب المواقع العبرية الموجة الأولى من الضربات قدرات الدفاع الجوي، حيث أغلقت إيران مجالها الجوي طوال مدة الهجوم الذي امتد لعدة ساعات وتم الإبلاغ عن ضربات في مناطق طهران وكرج وأصفهان وشيراز.

وضربت الموجات التالية مواقع تصنيع الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية.

وذكرت تقارير أن الهجوم الذي تم بمشاركة طائرات تزود بالوقود للقيام بالمهمة التي تبعد مسافة 1600 كيلومتر عن الدولة العبرية وتسبب بإلحاق أضرار جسيمة بصناعة الصواريخ الإيرانية التي تمثل عمود القدرات الدفاعية لها.

وبينما كانت الحملة جارية، أفادت السلطات السورية الرسمية بأن إسرائيل ضربت عدة مواقع عسكرية في جنوب ووسط البلاد، وهو الإجراء الذي ربما تم اتخاذه لتمكين القوات الجوية الإسرائيلية من العمل بحرية أكبر ضد إيران.

وفي حين نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إسرائيليين أن الهجوم على طهران شمل بطاريات دفاع جوي ورادارات في سورية والعراق دون تأكيد عبري رسمي، نفى مصدر أمني عراقي تعرض أي منشآت عسكرية أو اقتصادية أو مدنية عراقية لأي ضرر خلال حملة القصف الإسرائيلية التي واكبتها بغداد بإغلاق مجالها الجوي مؤقتاً.

انتقاد وتنسيق

في غضون ذلك، انتقد زعيم المعارضة يائير لبيد «الرد العسكري المحدود» الذي أبلغت حكومة نتنياهو واشنطن به بعد قليل من انطلاقه، قائلاً إن طهران «هي رأس محور الشر ويجب أن تدفع ثمناً باهظاً لعدوانها».

وأضاف لبيد: «كان قرار عدم مهاجمة أهداف استراتيجية واقتصادية في إيران خاطئاً. كان بوسعنا وكان ينبغي لنا أن نطالب إيران بثمن أثقل كثيراً»، فيما أظهر استطلاع رأي أن أغلب الإسرائيليين يفضلون إجراء انتخابات مبكرة وسط انخفاض الثقة في نتنياهو.

وأتى الانتقاد الإسرائيلي الداخلي للضربة التي بدت أنها استعراضية غداة اختتام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة شرق أوسطية لاحتواء خطر اندلاع حرب شاملة، بينما أكدت مصادر أميركية أن نتنياهو التزم بتوجيهات الإدارة الديموقراطية للرئيس جو بايدن بشأن ضرورة توجيه رد متناسب لا يؤدي إلى تصعيد أكبر. ووفق للمصادر، فإنها المرة الأولى التي يلتزم فيها نتنياهو بضوابط واشنطن منذ هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي.

وأكد مسؤول أميركي أنه في حال ردت إيران، فإن الولايات المتحدة مستعدة تماماً للدفاع عن إسرائيل، وأن طهران ستواجه عواقب نتيجة أي هجوم آخر.

ورأى المسؤول الأميركي أن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون خاتمة للتبادل المباشر لإطلاق النار بين الجانبين، داعياً جميع الدول ذات التأثير إلى الضغط على إيران لوقف هجماتها على إسرائيل، بهدف إنهاء سلسلة الهجمات المتبادلة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة جهود تفضي إلى إنهاء النزاع في لبنان، عبر اتفاق يتيح للمدنيين على جانبي الخط الأزرق العودة بأمان إلى منازلهم.

كما أعلن استعداد واشنطن لتحقيق وقف لإطلاق النار في غزة وتأمين عودة الرهائن، مؤكداً أن الخطوط العريضة لهذه الترتيبات جاهزة وينبغي تنفيذها دون تأخير.

ولفت إلى أن واشنطن تتواصل مع طهران «بشكل مباشر وغير مباشر» لمنع «سوء الفهم»، نافياً أي مشاركة لواشنطن في الهجمات.

بلاغ وادعاء

وفي حين، كشف موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن إسرائيل بعثت رسالة بلاغ مسبق إلى طهران، أمس الأول، قبل غاراتها الجوية، ادعت «يديعوت أحرنوت» العبرية، أن طهران أبلغت تل أبيب عبر وسيط أجنبي بأنها لن ترد على موجة الهجمات على أراضيها.

وأشار «أكسيوس» إلى أنّ الرسالة الإسرائيلية التي نقلت إلى الإيرانيين من خلال عدة أطراف ثالثة كانت «محاولة لمنع تصعيد أوسع».

وقال أحد المصادر: «أوضح الإسرائيليون للإيرانيين مسبقاً ما الذي سيهاجمونه بشكل عام، وما الذي لن يهاجموه».

وذكر مصدران آخران، أنّ «إسرائيل حذّرت الإيرانيين من الردّ على الهجوم، وأكدت أنّه إذا ردّت إيران، فإنها ستنفذ هجوماً آخر أكثر خطورة، خاصة إذا قُتل أو جُرح مدنيون إسرائيليون».

وقالت إيران إنّها لا تريد حرباً شاملة، لكنها سترد إذا تعرضت للهجوم فتاك.

تهوين إيراني

على الجهة المقابلة، بدت السلطات الإيرانية كما لو كانت تسعى إلى التهوين من حجم وأضرار الضربة التي تعد أكبر من سابقتها التي شنت في أبريل الماضي ضد منشأة دفاعية في أصفهان ولم تعلن إسرائيل تبنيها رسمياً في حينها.

وأقر الجيش الإيراني، بمقتل اثنين من جنوده «أثناء التصدي للقذائف التي أطلقها النظام الصهيوني المجرم»، فيما تحدثت وزارة الداخلية عن مصرع 10 من حرس الحدود في هجوم منفصل بمدينة تفتان بمحافظة سيستان وبلوشستان المضطربة.

وجاء ذلك بعد أن أعلن مقر الدفاع الجوي أن الهجوم الإسرائيلي استهدف أجزاء من المراكز العسكرية في محافظات طهران وخوزستان وإيلام، حيث «اعترضت منظومة الدفاع الجوي الموحدة للبلاد العمل العدواني وتصدت له بنجاح».

وتحدث الدفاع الإيراني عن أضرار محدودة لحقت ببعض النقاط في قواعد «الحرس الثوري»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في أبعاد الاعتداء.

ونقلت وكالة «تسنيم» عن مصدر إيراني أن بلده سترد «بما يناسب» مع الهجوم، ووصف الحديث عن استهداف 20 موقعاً بأنه حرب نفسية، نافيا أن تكون 100 طائرة شاركت بالهجوم.

في موازاة ذلك، شددت وزارة الخارجية الإيرانية على أن طهران ملزمة بالدفاع عن سيادة البلاد ضد «الأعمال العدوانية الأجنبية».

وأضافت أن «استمرار جرائم الاحتلال والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعدوان على لبنان في ظل دعم أميركا والغرب هو سبب التوتر بالمنطقة».