حرب بالوكالة عن الإمبريالية العالمية
في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان «حرب بالوكالة عن الإمبريالية العالمية»، قلت إن الإمبريالية العالمية، الاستعمار الجديد الذي كان أول من طرحه ويلسون في مطلع عام 1918، وهو الرئيس الأميركي وقتئذ، للسيطرة على موارد الطاقة والمناجم، في كل من إفريقيا وآسيا، وكان زرع إسرائيل غرسا استيطانيا لهذا الاستعمار الجديد في قلب الوطن العربي والشرق الأوسط لتكون بديل احتلال الاستعمار القديم للأراضي.
حساب الأرباح والخسائر
ومن هنا فإن تزويد أميركا إسرائيل بالأسلحة الحديثة كافة وحرصها على استمرار التفوق الجوي الإسرائيلي وهو ما أشارت إليه لجنة غرانت التي شكلت عقب نصر أكتوبر سنة 1973، لبحث أسباب هزيمة إسرائيل، ومنع تكرار ذلك، إذ جاء تقريرها الذي قدمته إلى الحكومة الإسرائيلية والكنيست، «أن منع التفوق الجوي لمصر هو الضمان الأساسي لحماية إسرائيل»، وأن مصر لن يتحقق لها نصر آخر على إسرائيل طالما أن إسرائيل تملك التفوق الجوي، ولهذا حرصت دول العالم المصدرة للطائرات على أن تحرم مصر من هذا التفوق، إذعانا للإمبريالية العالمية.
لذلك فإن حساب الأرباح والخسائر الذي يقوم به الشامتون والمتعاطفون مع حركة حماس ومع المقاومة اللبناينة، من حيث أعداد القتلى والجرحى من الجانب الإسرائيلي، وأعداد الشهداء والجرحى من جانب المقاومة الفلسطينية، والمدنيين من الشعب الفلسطيني هو حساب ظالم، فهي ليست كحرب أكتوبر 1973، التي قامت بين دولتين، وبين جيشين نظاميين، والتي تعتبر حربا حقيقية غيرت الموازين العسكرية، وأصبح نصر الجيش المصري يدرس في الأكاديميات العسكرية في دول العالم، وأصبحت الزوارق الحربية الصغيرة، لها أهمية، لم تكن لها قبل قيام الزوارق المصرية بتدمير الباخرة العسكرية الكبرى لإسرائيل ايلات، بل تدمير ميناء إيلات كله، في حرب الاستنزاف التي سبقت أكتوبر 1973.
وقد أثبتت حرب أكتوبر 1973، كما أثبيت طوفان الأقصى في صموده المذهل لأكثر من عام أمام هذه القوة الإسرائيلية الغاشمة، فارقا جديدا في الحروب الحديثة، هو نوعية المقاتل المؤمن بقضيته وبانتمائه للأرض التي يدافع عن ترابها، في مقابل جيش تجمعت لديه كل أسباب النصر من طائرات ومركبات ومصفحات وأسلحة حديثة، لا الانتماء لهذه الأرض التي كانت بالنسبة لهذا الجيش، أرض المغامرات وتحقيق الثروات، للمهاجرين من شتى أنحاء العالم من السفاحين والقتلة، لا تجمعهم قومية واحدة أو قومية ثنائية، بل قوميات شتى، تهدد بنهاية هذه الدولة التي لا يجمعها سوى الدين اليهودي، في الزمن الذي أصبح فيه الدين هو آخر الأولويات، في مواجهة أبطال المقاومة الفلسطينية التي تؤمن بأن الجهاد فريضة إلهية، للدفاع عن الأرض وترابها.
إلا أن ذلك كله لا يحسم هذه الحرب المحسومة للسلاح الجوي الإسرائيلي في سماء غزة وسماء لبنان، كفضاء مفتوح لهذا السلاح بالطائرات تحلق في سمائهما بالعشرات، وآلاف الطلعات تعربد آناء الليل وأطراف النهار، وصورايخ المقاومة من غزة، ومن الجنوب اللبناني غير قادرة على الوصول إليها، فلها أن تعربد كيفما شاءت لتقتل البشر وتدمر الحجر.
والترسانة العسكرية الأميركية مفتوحة على مصراعيها لتعويض إسرائيل عن خسائرها في السلاح، ولتزويد إسرائيل بالذخيرة كلما نفدت، فضلا عن المعونات المالية التي أقرها الكونغرس الأميركي لإسرائيل في هذه الحرب، والتي بلغت 26.4 مليار دولار، أقرها الكونغرس بقانون، وأبواب الكونغرس مفتوحة لنتنياهو ليهذي فيها بما يشاء، فهو وكيل الإمبريالية العالمية في الاحتلال والحرب دفاعا عن الاستعمار العالمي الجديد.
في الوقت الذي نهرت فيه رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب) بعض أعضائها الذين لبسوا رداء بلون العلم الفلسطيني، بأنهم سيتعرضون للمساءلة التأديبية والأخلاقية بسبب هذا التصرف، وأنها ستعرض الأمر على مكتب المجلس والتضامن العربي مع غزة ومع لبنان، هو تضامن بالكلمات والشجب والتنديد، وقد احتلت إسرائيل ممر فيلادلفيا على الحدود المصرية، لمنع أهالي سيناء من تزويد المقاومة بالسلاح تعويضا لها عن خسائرها في الحرب، وإيران في موقف لا تحسد عليه بسمائها المفتوحة لضربة جوية أقرتها إسرائيل بموافقة أميركا، لتكون موجعة، ولا تضر بمصالح الغرب، إذا استهدفت أبار النفط، فارتفعت أسعاره.
الأسطورة والرمز
كما أن رسم صورة أسطورية للمقاومة الفلسطينية (حماس) وللمقاومة اللبنانية مدفوعة بمشاعر التعاطف القومي أو الوطني أو الديني، مصحوبة بالآمال التي (تراودنا) جميعا في تحرير القدس واستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة من النهر الى البحر، وليس ذلك على الله بكثير، أو ما ضاع حق من ورائه مطالب، ويظل أملنا وأمل والمقاومتين في الله وعونه، ولم يكن نصر مصر في أكتوبر إلا بعون الله، لقد كان حقا معجزة إلهية، عبور المانع المائي، وتحطيم خط بارليف ولكن هناك خلط في أذهان كل من الشامتين والمتفائلين بين الأسطورة والرمز.
إن حماس والمقاومة اللبنانية هما رمزان لمقاومة المحتل، وقد أصبحا كذلك في نظر العالم كله، وعلينا جميعا أن نحافظ على هذا الرمز ونزهو ونفخر به في القدرة على التصدي لقوات الاحتلال والبسالة في المقاومة والاستشهاد.
جان دارك الرمز
في عام 1919 وبعد خمسة قرون اعتبرت فرنسا الأحد الثالث من شهر مايو عيدا قوميا تكريما لذكرى جان دارك، المناضلة الفرنسية، التي ناضلت من أجل تحرير فرنسا، وقد وحدت الشعب الفرنسي من الانقسام وهو يجابه جيش الإمبراطورية البريطانية العظمى التي تحتل أراضيه، وقادت الجيوش الفرنسية لفك الحصار البريطاني عن مدينة أورليانز الفرنسية في الثامن من مايو 1430، إلا أنها وقعت في أسر قوات دوقية بورغندي التي باعتها للإنكليز، الذين عقدوا لها محاكمة صورية انتهت بإعدامها حرقا، وقد رفضت جان دراك الاعتراف أمام المحكمة أنها ارتكبت خطأ مسيحيا كبيرا بمقاومة الاحتلال البريطاني، لذلك كان اختيار فرنسا يوم الأحد، لأن المشاعر الوطنية لجان دارك اختلطت بمشاعر دينية وهو اليوم الذي تدق فيه أجراس الكنائس، ويجتمع فيه المسيحيون في كل العالم لأداء الصلاة، لأن نضال جان دارك ضد المحتل البريطاني، كان رمزا عالميا للنضال ضد الاحتلال، كما أصبح طوفان الأقصى رمزا عالميا لهذا النضال، لهذا أتمنى أن يأتي اليوم الذي تعتبر فيه الأمة العربية، يوم السبت الأول من شهر أكتوبر من كل عام، عيدا قوميا للتضامن العربي ليحتفل فيه العرب جميعا حكاما ومحكومين، بنصر أكتوبر 1973، الذي تضامن فيه العرب لتحقيق هذا النصر، ونحتفل فيه جميعا بما حققه أبطال الأقصى من رد للكرامة العربية.