بعد يوم من شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية غير مسبوقة ضد 20 هدفاً عسكرياً في إيران، تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنجاح الهجوم الذي استهدف قدرات إيران الدفاعية وصواريخها البالستية، مؤكداً أن الضربة الانتقامية حققت كل أهدافها.
وقال نتنياهو، في كلمته بإحياء ذكرى هجوم حركة حماس على الدولة العبرية في 7 أكتوبر الماضي، إن الهجوم على الجمهورية الإسلامية كان «دقيقاً وقوياً وحقق جميع أهدافه».
وأضاف: «شنت القوات الجوية هجوماً في جميع أنحاء إيران. ضربنا بقوة قدراتها الدفاعية وقدرتها على إنتاج صواريخ موجهة ضدنا»، معتبراً أن إسرائيل تخوض «حرباً وجودية على سبع جبهات، غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن والعراق، وضد محور الشر بقيادة إيران».
وتابع أن الهجوم على إيران جاء «بعد أن عملنا في الأشهر الأخيرة وفق خطة منظمة لقطع أذرع الأخطبوط، على النظام في طهران أن يفهم مبدأ بسيطًا، من يؤذينا نحن نؤذيه».
في موازاة ذلك، ذكر مكتب وزير الدفاع يوآف غالانت أنه أبلغ نظيره الأميركي لويد أوستن «نجاح الضربات الإسرائيلية على إيران. كما ناقش غالانت مع أوستن «الفرص الاستراتيجية التي قد تنجم عن ذلك والفرص المتاحة بعد الانجازات التي تحققت في العمليات على الجبهتين الشمالية والجنوبية» في إشارة للقتال في لبنان وغزة.
وكسرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية التقاليد الاعتيادية ضمن حملة احتفائها بالهجوم ونشرت صوراً كثيرة للطيارين في مقاتلاتهم، وبعلامات وتعبيرات الدعم، في محاولة للترويج لـ «صور النصر». ولم تكشف الرقابة عن عدد الطيارين، لكنها ذكرت أن 100 مقاتلة شاركت بمهاجمة الأهداف التي تبعد على الأقل 1600 كيلومتر عن أقرب نقطة بالدولة العبرية.
وجاء الاحتفاء الرسمي بالضربة وسط انتقادات من التيار اليميني المتشدد والمعارضة وأصوات داخل «حزب الليكود» الذي يتزعمه نتنياهو بوصفها خطوة منقوصة تفادت المنشآت النفطية والنووية لإيران بعد ضغوط أميركية.
تريث إيراني
على الجهة المقابلة، أبدت السلطات الإيرانية تريثاً بإطلاق التهديدات بعد يوم من تهوينها لحجم أضرار الضربة، إذ صرح المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن «العمل الشرير للكيان الصهيوني لا ينبغي أن يتم تضخيمه أو التقليل منه».
وقال خامنئي، في لقاء مع أسر شهداء قوات الأمن: «يجب تصحيح خطأ الكيان الصهيوني في الحسابات، ويجب على المسؤولين توضيح كيفية أن يتم إفهامه قوة وإرادة الشعب الإيراني وشباب البلاد وإرادتهم».
وجاء تصريح خامنئي وسط تهديدات إيرانية منضبطة بالرد على الهجوم الذي طاول إيران وأدى لوقوع أربعة قتلى، إذ أكد رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، أن رد بلاده حتمي ومؤكد، قائلاً في الوقت ذاته، إن الهجمات كانت «انفعالية وتحولت إلى فشل آخر للكيان الصهيوني»، مضيفاً أن إيران «محقة في الدفاع عن نفسها وفق المادة 51 لميثاق الأمم المتحدة».
ودعا قاليباف الولايات المتحدة التي وصفها بأنها الشريك والداعم الرئيسي بجميع جرائم إسرائيل للضغط على الكيان الصهوني من أجل «وقف قتل الأبرياء في غزة ولبنان ومنع اتساع الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة». في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية علي عراقجي في رسالة إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، إن بلاده تحتفظ بحقها في الرد على العدوان الإسرائيلي، قائلاً إنه لا يمكن الفصل بين الهجمات على إيران وحرب الإبادة في غزة ولبنان، داعياً العالم إلى الاتحاد ضد «التهديد المشترك على السلام والأمن الدوليين». وفي وقت سابق، تعهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بالرد على «حماقة إسرائيل» بحكمة وذكاء.
وطالب عراقجي في رسالته بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لاتخاذ موقف حاسم في إدانة هذا العدوان.
وأتى ذلك فيما حذرت صحيفة «كيهان» التابعة للمرشد من أن الأصوات التي تفضل التخلي عن الرد أو الرد القوي ضد إسرائيل تخاطر بدعوة إسرائيل والولايات المتحدة إلى شن مزيد من الهجمات المدمرة.
وأمس، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني لـ«الوقوف على آخر تطورات العدوان الإسرائيلي».
وشدد عبدالعاطي، على ضرورة منع التصعيد، واتخاذ خطوات تسهم في تحقيق التهدئة، وعدم استدراج المنطقة إلى حرب إقليمية تؤدي إلى تداعيات وخيمة.
كما تم خلال الاتصال، تناول الجهود المبذولة من جانب القاهرة بالتنسيق مع الدوحة وواشنطن للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والدخول الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر والإفراج عن الرهائن والأسرى الإسرائيليين.
تفاصيل الضربة
وما بين الاحتفاء بالنجاح والتريث بالتقدير، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي قامت وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء بتحليلها، أمس، أن الهجوم الإسرائيلي ألحق أضراراً بمرافق في قاعدة عسكرية سرية تقع جنوب شرق العاصمة الإيرانية، التي ربطها الخبراء في الماضي ببرنامج طهران للأسلحة النووية السابق، وبقاعدة أخرى مرتبطة ببرنامجها للصواريخ البالستية.
وتقع بعض المباني المتضررة في قاعدة «بارشين»، حيث تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أن إيران كانت قد أجرت في الماضي اختبارات على مواد شديدة الانفجار يمكن أن تستخدم في إطلاق أسلحة ذرية.
كما يمكن رؤية الأضرار الأخرى في قاعدة «خوجير» العسكرية القريبة، والتي يعتقد المحللون أنها تخفي نظام أنفاق تحت الأرض ومواقع لإنتاج الصواريخ تم توسيعها بشكل كبير يوليو الماضي.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الفضائية الخاصة أن الضربات الإسرائيلية دمرت 3 مبان لخلط الوقود الصلب للصواريخ البالستية ومستودعاً في «بارشين».
وأشار محللون إلى أن المصادر العبرية تتحدث عن استهداف خلاطات الوقود الصلب التي يصعب تصنيعها وتخضع لضوابط التصدير، حيث استوردتها طهران على مر السنين بتكلفة باهظة ومن المرجح أن تجد صعوبة في استبدالها دون مساعدة من الصين.
ولفت البعض إلى أن الدولة العبرية ربما تمكنت من خلال عملية محدودة ودقيقة للغاية، من توجيه ضربة قوية لقدرة إيران على إنتاج الصواريخ بكميات كبيرة، لمدة عام على الأقل، مما يجعل من الصعب على أي هجوم صاروخي إيراني مستقبلي اختراق الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية.
وتملك إيران أكبر ترسانة صاروخية في الشرق الأوسط، وقال مسؤولون أميركيون إنها زودت روسيا بالصواريخ لاستخدامها ضد أوكرانيا، وكذلك الحوثيين في اليمن و»حزب الله» اللبناني.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مسؤول إسرائيلي أن الهجوم تسبب بتدمير كل منظومات الدفاع الجوي «إس 300» روسية الصنع التي كانت تعتمد عليها إيران منذ عام 2016.
ولم يعترف الجيش الإيراني بالأضرار التي لحقت بقاعدة «خوجير» أو بقاعدة «بارشين»، رغم أنه قال إن الهجوم أسفر عن مقتل أربعة جنود يعملون في أنظمة الدفاع الجوي.
وأكدت هيئة الأركان الإيرانية في بيانها الأول بخصوص الهجمات الإسرائيلية، أن الضربات خلفت «خسائر محدودة ذات أثر محدود»، مشيرة إلى تضرر «عدة منظومات رادار، جرى إصلاح بعضها وأخرى قيد الإصلاح»، عازية الخسائر المحدودة إلى «الأداء المناسب للدفاع الجوي».
التباس عراقي بانتهاك الأجواء وفصائل تهدد بعقاب ثقيل
خيم الغموض على حقيقة استخدام المقاتلات الإسرائيلية للأجواء العراقية في قصف إيران التي أكدت على لسان بعثتها لدى الأمم المتحدة أنها تعرضت للاستهداف من قبل طائرات صهيونية حلقت بالمجال الجوي العراقي «الواقع تحت احتلال وقيادة وسيطرة الجيش الأميركي».
وأكد حسين علاوي، مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن «العراق بحالة عداء مع إسرائيل منذ عام 1948»، مشدداً على أن بلاده، التي لم تصدر نفياً رسمياً لاختراق مجالها الجوي، «تستخدم المسار الدبلوماسي لحل الأزمة في المنطقة».
وبالتزامن مع إعلان «فصائل المقاومة العراقية» أنها قصفت هدفاً حيوياً في الجولان المحتل وهدفاً آخر في إيلات دعماً لغزة ولبنان، رفضت الفصائل العراقية المرتبطة بطهران «تبريرات حكومة السوداني»، وهددت بشن ضربات عقابية من العيار الثقيل ضد اختراق الكيان الصهيوني.