في عالم يتسارع بخُطى ثابتة نحو التطور التكنولوجي والابتكار في مجالَي الصحة والأمن، أصبحت التقنيات البيومترية والجينية حجر الأساس لتحقيق مستقبل مستدام للمجتمعات.

ولاشك في أن مشروع جينوم الكويت يأتي كخطوة رائدة نحو تعزيز الرعاية الصحية للمواطنين وتطوير سياسات الأمن الوطني، إذ يعكس رؤية متقدمة تتماشى مع تجارب عالمية رائدة، كتجربة «مشروع جينوم الإمارات». مشروع الجينوم، سواء في الإمارات أو المخطط له في الكويت، يهدف إلى أخذ عينات من جميع المواطنين، ودراسة تركيبتهم الجينية، ثم حفظها في قاعدة بيانات ضخمة تُستثمر في مجالات الطب والأمن، لتوفر تشخيصات دقيقة وعلاجات فعَّالة تسهم في حماية المجتمع ورفع جودة الحياة.

Ad

البصمة الوراثية هي إحدى التقنيات الطبية المبتكرة التي تقدم حلولاً دقيقة وفعَّالة للرعاية الصحية، من خلال تحليل الحمض النووي (DNA) الخاص بالفرد. من خلال مشروع الجينوم الوطني يمكن بناء قاعدة بيانات جينية شاملة لسكان الكويت، ما يسهم في تطوير الطب الشخصي، الذي يعتمد على تصميم خطط علاجية مصمَّمة لتلائم التركيبة الجينية للفرد. هذا النهج يسهم في رفع فاعلية العلاجات، وتقليل الآثار الجانبية المحتملة، وهو أسلوب أصبح شائعاً في الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة.

أطلقت الإمارات العربية المتحدة مشروع «جينوم الإمارات» كخطوة استراتيجية لدراسة التسلسل الجيني لسكانها. من خلال جمع وتحليل مئات الآلاف من العينات، حقق المشروع فوائد ملموسة، منها تطوير الطب الشخصي، وتحديد العوامل الجينية التي تسهم في انتشار أمراض مزمنة، كأمراض السكري والقلب. تكمن أهمية المشروع في قدرته على تقديم توصيات وقائية مبكرة للأفراد، مما يسهم في تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض، وتعزيز جودة حياة المجتمع الإماراتي. يُعد هذا المشروع نموذجاً تستلهم منه الدول الأخرى، ومنها الكويت، من أجل تعزيز الصحة العامة.

في أميركا والدول الأوروبية، تم إدماج التطبيقات الإكلينيكية للجينوم في نظم الرعاية الصحية، مما حقق فوائد ملموسة للأفراد. بفضل قاعدة بيانات جينية ضخمة وتقنيات تحليل متطورة، يستطيع الأطباء اليوم تصميم خطط علاجية دقيقة تحاكي الجينات الفردية، ما يزيد من فاعلية العلاج، ويقلل الآثار الجانبية. يُستخدم الجينوم أيضاً للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية، وتحديد العوامل الجينية التي قد تجعل بعض الأفراد عُرضة للإصابة بأمراض شائعة، مثل السرطان وأمراض القلب.

أضافت المستشفيات الكبرى في أوروبا وأميركا تقنية الجينوم إلى برامج الوقاية، حيث يتم تحليل جينات الأفراد لتحديد احتمالات الإصابة بالأمراض، مما يسمح للأطباء باتخاذ تدابير وقائية مبكرة. كما تُستخدم هذه البيانات لتوقع ردود الفعل تجاه بعض الأدوية وتخصيص الجرعات بدقة، مما يقلل من مخاطر التفاعلات الدوائية السلبية. أيضاً، تعمل فرق بحثية على تطوير لقاحات تعتمد على التركيبة الجينية للفرد، مما يجعل الوقاية أكثر فاعلية.

إلى جانب البصمة الوراثية، تلعب البصمة البيومترية دوراً حيوياً في تعزيز الأمن الوطني، إذ تعتمد على خصائص فريدة، مثل: بصمات الأصابع، وقزحية العين، وملامح الوجه. وقد أثبتت وزارة الداخلية الكويتية ريادتها في هذا المجال، من خلال تنفيذ تقنيات البصمة البيومترية بشكل واسع، مما أسهم في تعزيز الأمن، والتحقق من الهوية في المنافذ الحدودية والأماكن الحساسة. تسهم هذه التقنيات في تسريع وتسهيل عمليات التحقق من هوية الأفراد، كما تساعد في حماية المجتمع من التهديدات الأمنية، وتعزز الثقة في الأنظمة الأمنية.

إن تطبيق مشروع جينوم الكويت يستدعي تضافر الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وتوصي مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بتبني المشروع ودعمه. لتحقيق هذا الهدف يجب على الكويت إنشاء مختبرات متطورة لتحليل الجينوم داخل البلاد، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات بدقة وسرعة. كما ينبغي التعاون مع المراكز البحثية العالمية والجامعات المتخصصة لتعزيز الخبرات الوطنية وتطوير البنية التحتية للجينوم، فضلاً عن تدريب الكوادر الطبية لرفع وعي الأطباء وتحفيزهم للتخصص في الطب الجيني. ويُعد وضع إطار قانوني وأخلاقي يحمي حقوق الأفراد، ويحافظ على سرية البيانات الجينية، بما يراعي القيم الدينية والاجتماعية في الكويت، خطوة ضرورية لبناء الثقة المجتمعية في هذا المجال.

الآثار السلبية لتأخر الكويت في مشروع الجينوم

إذا تأخرت الكويت في إطلاق مشروع جينوم وطني، ستواجه تحديات كبيرة في مجال الرعاية الصحية، منها التزايد المستمر في أعداد الأمراض المزمنة والوراثية، مثل: السكري، وأمراض القلب. من دون قاعدة بيانات جينية محدَّثة، سيظل تشخيص هذه الأمراض محدوداً، وقد يكون أقل دقة، مما يقلل من فاعلية العلاجات، ويزيد من التكاليف الصحية على المدى الطويل.

من الناحية الأمنية، يعرِّض هذا التأخر الكويت لخطر عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في تقنيات الحماية البيومترية، مما يزيد من اعتمادها على تقنيات مستوردة قد لا تكون ملائمة للتحديات الأمنية الفريدة في البلاد. كما أن تأخر تطبيق الجينوم سيحد من قدرات الكويت على المنافسة في هذا المجال الحيوي، مما قد يفوِّت على البلاد فرصاً اقتصادية وتجارية كبيرة في المستقبل، خصوصاً في ظل السباق العالمي نحو تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجينية.

الخلاصة

يمثل مشروع جينوم الكويت خطوة استراتيجية تضع البلاد بمصاف الدول الرائدة في الأبحاث الجينية، إذ يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتحصين المجتمع ضد الأمراض، مما يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل آمن وصحي.

إن التعاون بين التقنيات الجينية والبيومترية يحقق تكاملاً بين الصحة والأمن الوطني، وبتبني الكويت لهذه التقنيات، ستكون في طليعة الدول التي تقدم حلولاً مبتكرة لضمان جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة.

* وزير الصحة الأسبق