«التاريخ يكتبه الرجال والسلام يصنعه الشجعان»، عبارة وردت على لسان أكثر من قائد وزعيم عربي، والواقع يقول لنا إن التاريخ يكتبه «المنتصرون» أيا كانت أخلاقياتهم أو مبادئهم، فثمة من رفع شعار «السلام مقابل السلام» وهو شعار زائف، قالوا فيه نمنحكم السلام مقابل أن تنسوا الأرض والحقوق.

على جبهة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أطلق ياسر عرفات في مطلع الثمانينيات مصطلح «سلام الشجعان» انتهى به المطاف إلى اتفاق أوسلو 1993 الذي أوصله إلى رام الله لينتهي به الأمر محاصراً ثم مقتولاً! فأيا كانت مواقف الأطراف المتصارعة وما تضمره من أهداف يبقى المعنى الأصلي للعبارة واضحاً «اتفاق سلام بشروط مشرفة بالنظر إلى شجاعة المتحاربين».

Ad

في عالمنا العربي طُرحت فكرة «السلام» بشكل مشوه وفُصّلت على مقاس «المنتصر» و«القوي» وإن كانت الحروب لم تفارقنا منذ زمن طويل، بل يمكن القول إن المنطقة حبلى بالحروب والقتل والتدمير والتهجير، فمن ينشد «السلام» لا بد أنه ذاق طعم الموت والحرب والدمار، هذه حال الأمم التي عانت من جراء العنف والقتل.

أمامي كتاب أهداه لي الصديق فريد عبدال وهو من قام بترجمته بعنوان «فن السلام» لـ«موريهاي أوشيبا» يطلقون عليه وصف «رسول فن السلام» والكتاب في مضمونه يحاكي ما يحدث في منطقتنا العربية، حيث يذهب «أوشيبا» إلى تعريف الإنسان بهوية روحية أقرب إلى المدرسة الصوفية وهو مؤسس «الأيكيدو» أي فن السلام باعتباره تهذيباً خلاقاً للعقل والجسم، ووسيلة عملية للتعامل مع العدوانية وأسلوب حياة يكرس الشجاعة والمحبة والحكمة، والأيكيدو، وريث الفنون القتالية التي أسست خلال فترة الحرب العالمية الثانية وانتهاء طبقة «الساموراي» في اليابان.

السؤال الواجب طرحه الآن: ما قيمة «فن السلام» اليوم في عالم يحرض على النزاعات والحروب وأسواق عالمية تقتات على الخوف والطمع والنفوذ؟

كما يتضح من سيرة «أوشيبا» فقد تمرس في فنون القتال المادية بشقيها الغربي والياباني، واختبر بميادين المعركة وفي الحياة الواقعية ليتجاوز بعدها مفهوم «فن القتال» بحد ذاته، ففي أدبياته تعثر على نصوص واضحة بمفاهيم «الفائز» و«الخاسر» وعنده أن التمرن على «الأيكيدو» يكرس البسالة والإخلاص والأمانة والشهامة، «نحن لا نتدرب لنتعلم كيف نفوز، بل لننهض منتصرين في أي موقف»، وأشهر مدارس لتعلم «فن السلام» لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما يقول ناشر الكتاب، بعد الردة النفسية له سببتها الحرب للبشرية جمعاء وللمجتمع الياباني على وجه الخصوص، ومدرسة «موريهاي أوشيبا»، و«فن السلام» دواء العالم المريض، لمداواته من مرض العنف والسخط والشقاق.

أخذني الكتاب إلى مقولة مأثورة «للمعلم» أوشيبا، يقول فيها «إن صوتك سلاح بالغ القوة، عندما تكون متناغماً مع النفس الكوني للسماء والأرض، سيصدر صوتك حساً حقيقياً، وحّد الجسد والعقل والكلام»، وقول آخر وأخير نقتطفه من الكتاب:

«الحياة هدية إلهية: الإلهي ليس شيئاً خارجنا، إنه يقع في مركزنا تماماً، إنه حريتنا في التدريب نتعلم عن طبيعة الحياة والموت الحقيقية، عندما تنتصر الحياة يكون الميلاد، وعندما تخسر يحدث الموت، فالمحارب في اشتباك دائم في صراع الحياة والموت من أجل تحقيق السلام».