تمر البلاد بعهد جديد وأحداث سياسية مستجدة ومتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية متسارعة وظروف إقليمية ودولية دقيقة وحساسة خاصة بعدما شهدته غزة ويشهده جنوب لبنان من ظروف وأحداث وحرب جائرة، وكذلك الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وتسارع الأحداث يومًا بعد يوم مما يزعزع الأمن والسلام العالميين.
فيا ترى ما المواصفات الواجب توافرها في وزراء الحكومات القادمة؟
سؤال بسيط لكنه يحتاج إلى التفكير بعمق والإجابة عنه بتجرد وشفافية عالية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
ومن خلال مراجعتي للتعيينات الوزارية التي تمت خلال العقدين الماضيين، وما تضمنه الدستور والقوانين والمراسيم المنظمة لذلك فإن الشروط الواجب توافرها في المرشح لمنصب الوزير هي: أن يتمتع المرشح للوزارة بالجنسية الكويتية بالأصالة، وأن لم يسبق أن حكم عليه بجريمة مخلة للشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد له اعتباره، وأن لا يقل عمر المرشح للمنصب الوزاري عن 30 عاماً (من شروط أن يكون عضوا في مجلس الأمة) ويفضل أن يكون المرشح حاصلاً على شهادة جامعية وعدد من سنوات الخبرة في الجهاز الحكومي مع أنه تم ترشيح وتعيين وزراء لم يعملوا في القطاع الحكومي، فلم يتمّ الالتزام بكل هذه الشروط في أغلب التشكيلات الوزارية في الحكومات السابقة!
والمتمعن في هذه الشروط والمتطلبات البسيطة لترشيح واختيار الوزير ومقارنتها بالشروط والمتطلبات لشغل بعض الوظائف الحكومية الأقل أهمية ومستوى من منصب الوزير يجد أنها متطلبات ومواصفات بسيطة وأقل صعوبة.
وأرى أنه وإن كانت الشروط والمتطلبات لشغل المنصب الوزاري رغم سهولتها كانت مقبولة في السابق إلا أنها لم تعد مقبولة في الوقت الحاضر، ولا تتناسب مع الظروف الحالية، وأن المستقبل يتطلب خبرات ومؤهلات ومواصفات علمية وعملية مختلفة تماماً عما كانت عليه في السابق، وذلك لتغير الظروف وللتعامل مع المستجدات والتطور والتقدم العلمي وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات Digital Transformation and Technology وعصر اقتصاد المعرفة، كما أن المستقبل يتطلب من الوزير أن يمتلك القدرة على التعامل والتكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السريعة والمتسارعة، ومع عصر العولمة Globalization والثقافة الرقمية والتحول الرقمي Digital Transformation والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence.
كما يتطلب المستقبل من الوزير معرفة تامة بمواد الدستور الكويتي والاطلاع على القوانين التي تحكم الدولة ومؤسساتها مثل قانون الخدمة المدنية وقانون التأمينات الاجتماعية وقانون المناقصات والميزانية العامة للدولة وبعض المهارات مثل مهارة القيادة وإدارة الاجتماعات واتخاذ القرارات والعمل الجماعي، بالإضافة إلى بعض المبادئ والقيم مثل الصدق والأمانة والشفافية والاستقامة والشجاعة للدفاع عن المكتسبات الوطنية في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة، وكذلك السعي إلى نبذ الطائفية وجميع أنواع وأشكال التعنصر سواء بسبب العرق أو اللون أو المذهب أو الدين أوالجنس.
وعليه فالمسؤولية تقع على عاتق سمو رئيس الوزراء عند ترشيح الوزراء بأن يضع هذه المتطلبات والمواصفات ومصلحة الوطن والمصلحة العامة فوق كل اعتبار، علاوة على مد يد التعاون مع أعضاء مجلس الأمة (السلطة التشريعية القادمة) لضمان الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، فالمرحلة القادمة (مرحلة الإصلاح والتطوير) تتطلب وزراء يملكون رؤية إصلاحية ويتمتعون بإمكانات وقدرات ومهارات علمية وعملية حسب اختصاص الوزارات والهيئات التي سيشرفون عليها، وأن يكون قد تم تقييمه في وظيفة قيادية سابقة، بالإضافة إلى ضرورة اتصافهم «برجال دولة» أكثر من اتصافهم «بسياسيين»!حيث إنهم يضعون المصلحة العامة أولاً وإستقرار الوطن وأمنه فوق كل مصلحة.
كما تتطلب الظروف والأحداث التي تمر بها المنطقة حكومة تكنوقراط متعاونة ومتناسقة ومتضامنة ومعرفة ودراية تامة بالأحداث والظروف الخارجية والمحلية والإقليمية والدولية، ويجب أن يتصف الوزراء القادمون بالسمعة الحسنة والشجاعة والأمانة والشفافية والنزاهة والحكمة والحنكة في التعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقدرة على المواجهة، وأن يملكوا حجة الإقناع والتعامل مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بكفاءة وفعالية. وعليه نجد أنه تقع على رئيس الوزراء مسؤولية كبيرة لاختيار رجال دولة كأعضاء في الحكومات القادمة بعيداً عن أسلوب المحاصصة والترضيات السياسية واعتماداً على الكفاءة والخبرة العلمية والعملية والشفافية والنزاهة والأمانة والقدرة على التعامل مع المستجدات والمتغيرات المتسارعة بكفاءة وفعالية.
نتمنى التوفيق للجميع لما فيه خير الوطن والمواطنين... ودمتم سالمين.