شباب الكويت بين التحول الرقمي وريادة الأعمال
يشهد العالم تحولًا رقميًا متسارعًا، وتجد الكويت نفسها في مرحلة محورية لهذا التحول، حيث تعتمد بشكل كبير على الشباب الكويتيين بوصفهم قادة المستقبل والمسؤولين عن بناء مجتمع رقمي مزدهر، ويعدّ هذا التحول الرقمي ضروريًا لتمكين ريادة الأعمال في الكويت وتعزيز الابتكار، إذ يتمتع الشباب الكويتيون بطاقة إبداعية وقدرة على التكيف مع التطورات التقنية السريعة، مما يجعلهم القوة الدافعة الرئيسة وراء هذا التحول.
يمتاز الشباب بروح إبداعية عالية تمكنهم من تطوير حلول مبتكرة للتحديات المختلفة التي يواجهها المجتمع، ويبدو أن أكثر من 40% من رواد الأعمال في الكويت هم من الشباب، مما يعكس إمكانية نجاحهم في بناء مشاريع جديدة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وفي هذا الإطار، قامت مجموعة من الشباب الكويتيين بتأسيس شركة للتجارة الإلكترونية استطاعت جذب استثمارات تجاوزت 1.2 مليون دولار في عام 2023، وهذا يعكس قدرة الشباب على النجاح في مجالات جديدة، ويؤكد على أهمية ريادة الأعمال كأحد دعائم الاقتصاد الكويتي، حيث يُتوقع أن ينمو قطاع ريادة الأعمال في الكويت بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 15% حتى عام 2025، وفقًا لدراسة أعدها مركز الشال للاستشارات الاقتصادية.
يمتلك الشباب الكويتي دراية كافية بالتكنولوجيا الحديثة، حيث ولد ونشأ هذا الجيل في عصر المعلومات، مما يمنحه القدرة على استثمار هذه المعرفة في تطوير قطاعات مختلفة، إلا أن هناك تحديات تواجههم تتعلق بنقص المهارات الرقمية المطلوبة في سوق العمل، وفي السياق تشير الدراسات إلى أن نحو 60% من الشباب الكويتي يفتقرون للمهارات الرقمية اللازمة للانخراط في سوق العمل الرقمي، مما يؤكد الحاجة الملحة لتطوير مهاراتهم لتعزيز فرصهم في ريادة الأعمال.
بالإضافة إلى ذلك، يفضل أكثر من 70% من الشباب الكويتيين البحث عن وظائف حكومية بدلاً من البدء بمشاريع خاصة، وهو ما يحد من روح المبادرة لديهم ويعوق تطور ريادة الأعمال، ولتجاوز هذه التحديات يتطلب الأمر تكاتف جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتقديم حلول فعالة.
وفي سياق واجب الدولة بالاستثمار في برامج تطوير التكنولوجيا الرقمية لتعزيز مهارات الشباب، بدأت بعض الجهات الحكومية بالفعل بتنفيذ رؤية «كويت 2035» التي تهدف إلى تطوير الاقتصاد الرقمي من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تم تخصيص مبالغ مالية كبيرة لدعم الابتكار في التكنولوجيا وتحفيز روح الريادة.
من جهة أخرى، يجب على القطاع الخاص أن يضطلع بدور أكبر في توفير فرص عمل ملائمة للشباب الخريجين، حيث تشير التقارير إلى أن 60% من الشباب الخريجين يواجهون صعوبات في العثور على فرص عمل مناسبة، لذا من المهم إيجاد الآليات التعاونية بين القطاعين العام والخاص لتطوير برامج تدريبية تتماشى مع احتياجات السوق، مما يسهم في تعزيز ريادة الأعمال وخلق فرص العمل.
يؤدي المجتمع المدني دورًا مهمًا في دعم الشباب من خلال تنظيم ورش عمل وفعاليات تهدف إلى تطوير مهاراتهم الرقمية، وتسهم هذه المبادرات في رفع مستوى الوعي التقني لدى الشباب وتحفيزهم على دخول عالم ريادة الأعمال، وقد أظهرت دراسات أن الشركات الناشئة التي يتم دعمها من خلال حاضنات الأعمال تزداد فرص نجاحها بمعدل 30% مقارنة بالشركات التي تبدأ بمفردها.
تتجلى قصص النجاح التي حققها الشباب الكويتيون في المجال الرقمي في عدة تجارب ملهمة، حيث فازت إحدى الشركات التي أسسها شباب كويتيون بجائزة أفضل مشروع ناشئ في مؤتمر الابتكار العربي لعام 2022، وهو ما يعزز الثقة في قدرة الشباب على الابتكار والتفوق في مجالات التكنولوجيا.
تشير الإحصائيات الى بلوغ حجم الاستثمار في الكويت نحو 1.5 مليار دولار في عام 2022، مما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة والقطاع الخاص لتعزيز هذا القطاع، ومع ذلك، لا تزال الكويت تعاني من نسبة بطالة مرتفعة بين الشباب، حيث تشير التقارير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب الكويتيين تصل إلى 15%، مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تعزيز المهارات الرقمية وتأهيل الشباب لدخول سوق العمل، وهذا يتطلب استراتيجيات فعالة للتغلب على هذه التحديات.
وتجدر الإشارة الى أن بروز الذكاء الاصطناعي كأحد العوامل الرئيسة في تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية، يُتوقع أن يسبّب في فقدان 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025، في حين سيوفر 97 مليون وظيفة جديدة، مما يستدعي ضرورة تأهيل الشباب لمواجهة هذه التغيرات.
من جهة أخرى، تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل آراء وتوجهات الشباب، لكنها تعرضهم أيضًا لمخاطر انتشار المعلومات المضللة، ولذا فإن رفع الوعي حول المخاطر المتعلقة بالتحول الرقمي أصبح ضروريًا لتأهيل الشباب وتمكينهم من استخدام التكنولوجيا بشكل آمن، كما أصبح الأمن السيبراني من القضايا الحيوية التي يجب على الشباب الكويتيين إدراكها، حيث تشير تقارير إلى زيادة الهجمات السيبرانية بنسبة 30% في السنوات الأخيرة، مما يستدعي تكثيف الجهود لحماية البيانات والمعلومات الشخصية.
في النهاية، يمكن التأكيد أن بناء مستقبل رقمي مزدهر للكويت يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف، مما يتيح للشباب الكويتيين أن يستثمروا طاقاتهم وإبداعاتهم في تطوير مهاراتهم الرقمية والريادية، في حين تعمل الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على تقديم الدعم اللازم له، وهذا التعاون سيكون الأساس الذي يُمكّن الكويت من بناء مجتمع رقمي متطور يساهم في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي المستقبلي.
* كاتب ومستشار قانوني.