مع إصرارها على التفاوض تحت النار في لبنان، وخلال الضربة المنسّقة التي شنتها عليها فجر السبت، غدرت إسرائيل بإيران، وخالفت تعهدها للأميركيين بأنها لن تقصف سوى 3 نقاط، في ردها على الهجوم الصاروخي الكبير الذي تعرضت له مطلع الشهر الجاري.

وأفاد مصدر بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأنه تم الاتفاق على ضرب ثلاث نقاط فقط، لكن الإسرائيليين والأميركيين لم يلتزموا بالتفاهم وغدروا بإيران.

Ad

وذكر المصدر لـ«الجريدة»، أن الإيرانيين عيّنوا 3 مخافر قديمة خالية على الحدود الإيرانية ـ العراقية، تستهدفها إسرائيل في وقت يمكن لطهران الادعاء بأنها نقاط خارج الأراضي الإيرانية، ولا تستوجب الرد، لتجنب الدخول في سلسلة تبادل ضربات مع الدولة العبرية قد تتحول إلى حرب شاملة.

وأشار إلى أن الإيرانيين بنوا مخافر أحدث في نقاط أخرى من الحدود منذ مدة طويلة، موضحاً أن هذه المقار المستهدفة تعتبر متروكة وخالية، وبين فينة وأخرى كان عناصر من «حرس الحدود» الإيراني يبيتون فيها لتثبيت موقعهم أو رصد تحركات المهربين.

وأضاف أن هذه المخافر تعود إلى حقبة الحرب الإيرانية ــ العراقية، وهي عملياً غير فعالة، لكن ما حدث أن الإسرائيليين استغلوا التفاهم وأطلقوا صواريخ تجاه طهران وكرمانشاه وتبريز وأصفهان والأهواز وإيلام وشيراز، ظناً منهم أن الإيرانيين لن يكونوا جاهزين للهجوم المباغت بسبب الاتفاق المنسق عبر الوسطاء.

ولفت إلى أن الخطة الإسرائيلية كانت تشمل تحريك عملاء داخل إيران ليقوموا بتدمير منشآت الدفاعات الجوية واستهدافها أو إشغالها لتمكين الطائرات الإسرائيلية من قصف الأهداف بسهولة، لكن الأجهزة الأمنية الإيرانية كشفت الخطة في اللحظات الأخيرة، وتمكنت من إسقاط ما يصل إلى خمسين مسيّرة صغيرة محمّلة بقنابل تم إطلاقها من داخل البلاد باتجاه قواعد الدفاع الجوي، موضحاً أن عناصر الجيش الأربعة الذين قُتلوا خلال التصدي للضربة الإسرائيلية سقطوا بسبب استهداف قواعدهم من عملاء «الموساد» لا بسبب الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية.

وبين أن الدفاعات الإيرانية استطاعت التصدي للصواريخ وتمكنت من إسقاطها، كما ساهمت مساعدة روسية في إفشال الهجوم وصد القذائف البالستية، مبيناً أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت نحو 250 صاروخاً تجاه إيران بدلاً من إطلاق 3 صواريخ فقط على النقاط الحدودية.

وأضاف أن التحقيقات الأولية تؤكد أن الإسرائيليين كانوا يريدون استهداف قواعد عسكرية وأمنية ومصانع للأسلحة، خصوصاً الصواريخ والمسيّرات والإلكترونيات، ومحطات طاقة وإنتاج وقود صلب، بالإضافة إلى محطات لتكرير النفط و«مصفاة عبادان» ومعمل بتروكيماويات ماهشهر ومطارات عسكرية.

وتحدث المصدر عن نجاح الدفاعات الإيرانية في صد الهجوم بشكل كبير جداً، بفضل محطات الإنذار المبكر التي نشرتها طهران في العراق وسورية، إضافة إلى الأقمار الصناعية الإيرانية التي ركزت على تحركات المقاتلات الإسرائيلية، فضلاً عن قيام الروس بربط أنظمة أقمارهم الصناعية التجسسية بالأنظمة الإيرانية للمساعدة في إحباط الهجوم الانتقامي الذي تم الإعداد له منذ أسابيع.

وأوضح أن المرشد الإيراني علي خامنئي أوقف رداً صاروخياً كان جاهزاً لـ«الحرس الثوري» عقب الهجوم مباشرة، وطلب خلال اجتماع خاص عقده مع أركان القوات المسلحة والمجلس الأعلى للأمن القومي أمس، إعداد إحصاء دقيق بشأن عدد الصواريخ والمواقع التي استُهدِفت وتقدير الخسائر، وتحضير رد مضاعف، لأن الإسرائيليين تجرأوا على استهداف العاصمة طهران مباشرة، وهذا الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام.

وذكر أن خامنئي طلب من الأجهزة الأمنية الإيرانية مراقبة وضعية الدولة العبرية الدفاعية والتحضيرات الأميركية والغربية للدفاع عنها، لتحديد توقيت مباغت للرد، موضحاً أن المرشد طالب بإجراء تحقيقات عن كيفية إدخال عملاء إسرائيل المسيّرات والمتفجرات إلى عمق البلاد، حيث زعمت بعض التقارير الأمنية أن الدرون والذخيرة تم تهريبها عبر إحدى دول الجوار، وأوصت بشن عمل عدائي ضدها.

وفي لبنان، يصرّ الإسرائيليون على معادلة التفاوض تحت النار، ولذلك يوسّعون ويكثفون من عملياتهم، وقد أعلنوا الانتقال إلى مرحلة ثانية من عمليتهم البرية للتوغل نحو خط الدفاع الثاني أي القرى الخلفية، وذلك يشير إلى حرب من شقين، العسكري الميداني، والنفسي.

وساد تناقض كبير للتقديرات العسكرية والسياسية والدبلوماسية لمسار الحرب الإسرائيلية على «حزب الله». وتضاربت القراءات حول أفقها ومدتها، بين من يعتبر أنها أصبحت قريبة من الانتهاء خلال أسابيع، ومَن يعتبر أنها ستكون أطول، وأن إسرائيل تنظر إلى قدرات «حزب الله» العسكرية بجدية، خصوصاً مع توسيع عملياته ما يُبرز الحاجة إلى توسيع العملية لتقليص هذه القدرات وإنهائها.

ومنذ بداية العملية البرية كانت الكواليس الدولية تتحدث عن فترة 5 أسابيع ممنوحة أميركياً لتل أبيب في سبيل تحقيق الأهداف، ومضت هذه الأسابيع ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أغلبية أهدافها، فـ «حزب الله» كثّف عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات ويخوض قتالاً شرساً ضد القوات المتوغلة براً فيلحق خسائر كبيرة في صفوف الجنود، وذلك يدفع تل أبيب للتذرع بالحاجة إلى إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، خصوصاً أنها في الأيام الأولى كانت تتحدث عن عملية محدودة جداً، تشتمل على قرى الشريط الحدودي.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى جدية أميركية في المفاوضات، وهو ما ينظر إليه لبنان بإيجابية لا سيما مع عودة وزير الخارجية أنتوني بلينكن وكبير المفاوضين آموس هوكشتاين للتأكيد على تطبيق القرار 1701 بحذافيره من دون الحديث عن تعديله، بل مع إيجاد آلية لتطبيقه.

ومما تتركز عليه المفاوضات وقف إطلاق نار فوري، بعدها يبدأ «حزب الله» بالانسحاب من الجنوب، مقابل انسحاب الإسرائيليين من الأراضي التي توغلوا فيها، على أن تبدأ عودة السكان المهجرين على جانبي الحدود خلال فترة ستين يوماً، مع البحث في كل الآليات التطبيقية، حول دخول الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني، وإعادة إنشاء مقرات ومراكز وثكنات في مناطق متقدمة، بالإضافة إلى دخول قوات الطوارئ الدولية وتعزيز دورها.

وبحسب المعلومات فإن لبنان يوافق على تعزيز صلاحيات قوات اليونيفيل في الجنوب والتحرك بدون تنسيق مع الجيش، وحتى القيام بمداهمة لأماكن يكون هناك شكوك في احتوائها على أسلحة، مع التشديد على أن الأملاك الخاصة لا يتم الدخول إليها إلا برفقة الجيش اللبناني.