برلمان يخشى تفوُّق حكومة بلاده عليه
ظاهرة غريبة لا تعرفها - وفق متابعاتي - إلا الكويت، مجلس للأمة يخشى تفوّق حكومة بلاده عليه، ولذلك فهو يحاول أن يعرقلها ويجهض مبادراتها، ويُفشل مشاريعها، بل وحتى محاولتها للنجاح.
ظاهرة غريبة تنتاب مجالس الأمة ومعظم أعضائها في العقود الأربعة الماضية، فمن شدة تمسُّك الأعضاء بكراسيهم، وخشيتهم من انكشافهم أمام ناخبيهم، بحثوا عن فكرة وأسلوب لمنع تفوّق حكومة بلادهم عليهم في المشاريع والأداء وتحقيق التنمية، فوجدوا ضالتهم في إفشال حكومات بلادهم، وقد ابتدعوا كل ما يمكن أن نتصوره لأجل ذلك، بدءاً من قيامهم بأمور من صُلب اختصاصها، مروراً بالتدخل في عملها ومناكفتها في ميدانها، إلى الانحراف أو المبالغة في استخدام الأدوات الدستورية في غير غاياتها، وقد تمثّل ذلك في مقترحات قوانين هامشية أو إلهائية، أو بمنح أو هبات ارتجالية خلافاً للدستور، أو بالأسئلة البرلمانية المرهقة في حجم المعلومات والبيانات التي تُطلب من خلالها، رغم أنها غير منتجة، أو باستجوابات استباقية أو استنزافية، أو بتهديدات نيابية مصحوبة بأصوات عالية بعيداً عن غايات إصلاحية أو وطنية، وهو ما جعل الابتزاز السياسي والتكسب والأمجاد الشخصية هدفهم، على حساب البلد، وهو سبب عدم تحقيق مجلس الأمة - في العقود الأربعة الماضية - الغايات المنشودة من البرلمانات، بكونها عضداً للحكومات لإنجازات إصلاحية!! ولا يقول قائل إن العلّة في غياب الأحزاب أو حكومة الأغلبيات البرلمانية، فما ذاك إلّا تطور كان ولا يزال قادماً لا محالة، لكنّه يحتاج إلى بيئة ناضجة لاحتضانه!
ولعلّ التمعن في الدوّامات الثلاث الملازمة لفشل مجالس الأمة والمراحل المرتبطة به، يعطينا تفسيراً لما آلت إليه البلاد، رغم وجود نظام دستوري وبرلماني متقدّم، كما وضعه الآباء المؤسسون.
فقد عانى البلد 3 دوّامات رئيسية على صعيد بناء الدولة وتطورها:
1- دوامة استهلاك الرصيد الوطني السابق واستنزاف الثروات.
2- دوامة المراوحة بالمكان ذاته سياسياً وفكرياً وثقافياً وتنموياً.
3- دوامة التقهقر والتراجع وتفكيك لدولة النهضة والمؤسسات.
وكانت هناك 3 عوامل أساسية هي مكمن تلك الدوامات.
الأول: غياب القيادة السياسية المبادرة والقادرة على إحداث النقلة التطويرية والتنموية للبلد.
الثاني: مجالس أمة بلا رؤية ولا قدرات إسهامية وتعشق الأضواء الشعبوية، فصارت مجالس معاقة سياسياً وتنموياً، ومعوقة لعجلة التنمية بحثاً عن البطولات الوهمية والشخصية.
والثالث: حكومات ضعيفة فاقدة لبوصلة العمل التنفيذي، بعيدة عن رسم السياسة العامة للدولة الدورَ المؤسسي لمجلس الوزراء، فأغرقت بالترضيات والتكسّب الشعبي، لطغيان النهج الفردي عليها.
وها هي مرحلة التحول المنهجي قد دشّنت بخطاب العهد الجديد في 22/ 6/ 2022، وكرّسه النطق السامي بافتتاح مجلس الأمة بما أسماه «وثيقة العهد الجديد»، وبذلك تحققت قيادة سياسية مبادرة ومتجهة لإحداث نقلة نوعية، وواكب ذلك حكومة تحققت لها ملامح المنهجية الجديدة، فرئاستها مقبولة شعبياً وتحظى بدعم واسع، وتشكيلها خلا من شخصيات تحوم حولها الشبهات المالية، كما أنّه بعيد عن المحاصصة والترضيات، ومؤشرات تماسكها ظاهرة، ولأول مرة تتقدّم ببرنامج سياسي مبكّر ومبتكر، وبمواعيد زمنية، التزاماً بالمادة 98 من الدستور.
أما مجلس الأمة، فلا يزال بأغلبية من أعضائه يراوح في موقعه السابق المعلول، ويبحث أعضاؤه عن الأضواء الشعبوية والبطولات الوهمية، فشهد تسابقاً شعبوياً لافتاً واقترحات هزيلة لدغدغة مشاعر الناخبين والتكسّب على حساب الدولة، وهو ما أعاد الأجواء السياسية الانفعالية المقاومة للتحولات الجادة والمنهجية لدى القيادة السياسية والحكومة معاً، فهل يتدارك الأعضاء ذلك قبل فوات الأوان، أم أنّ كراسيهم غايتهم، ولا عزاء للبلد ومصالح المواطنين؟!