وسط تقديرات بمواجهتها لخيارات صعبة في تحديد كيفية الرد على الهجوم الجوي الإسرائيلي العلني غير المسبوق على أراضيها، السبت الماضي، واحتمال انجرارها إلى حرب شاملة قد تستدعي مشاركة الولايات المتحدة بشكل مباشر ضدها، صعّد قادة إيران لهجتهم ضد الدولة العبرية وتوعدوها بالويل والثبور بعد تقديرات عن تسبب ضربتها بمقتل 27 شخصاً وليس 4 كما أعلنت السلطات الرسمية.
وقال قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، في رسالة وجهها إلى القائد العام للجيش اللواء عبدالرحيم موسوي، للتعزية باستشهاد أربعة من المقاتلين في قاعدة «خاتم الأنبياء» للدفاع الجوي إثر العمل العدواني الآثم الأخير لطائرات العدو الصهيوني على نقاط في عدد من محافظات البلاد، إن العمل غير الشرعي وغير القانوني الذي قام به الكيان القاتل للأطفال، الذي فشل في تحقيق أهدافه المقيتة بسبب جاهزية الدفاع الجوي للبلاد، يظهر خطأ حساباته وعجزه في ساحة المعركة أمام مقاتلي جبهة المقاومة، خصوصاً في غزة ولبنان، ومن المؤكد أن عواقبها المريرة لن يتصورها المحتلون.
في موازاة ذلك، جدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، أمس، تأكيد طهران على أنها ستستخدم كل الأدوات المتاحة للرد على هجوم إسرائيل.
وشدد بقائي على أن طهران جادة ولن تتنازل وستوظف كل الأدوات في ردها الحازم والمتناسب مع طبيعة الهجوم الإسرائيلي، الذي تكفله القوانين الدولية.
وأشار إلى بلده ستعمل في ظروف تقرر فيها قواتنا المسلحة والمسؤولون وفق تقديرهم، لافتاً إلى أن إيران مارست ضبط النفس في فترات زمنية مختلفة لأجل السلام والأمن في المنطقة، «لكن تم تفسير ضبط النفس هذا بشكل غير صحيح»، مؤكداً أن القوات المسلحة الإيرانية لن تتسامح في الرد على إسرائيل.
مراوغة واشنطن
من ناحيته، قال مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، إن الهجوم الإسرائيلي كان زوبعة في فنجان، معتبراً أن الاحتلال أساء لهيبته بهذا الهجوم، وهو ما عرضه لانتقاد داعميه.
واتهم ولايتي أميركا بأنها «غير راغبة في خفض التصعيد»، مضيفاً «نحن لا نثق في وجود حسن نية لدى واشنطن»، موضحاً أن «دعمها المباشر والشامل لإسرائيل ودعواتها للتهدئة عبر سماسرتها وجهان لعملة واحدة».
وأشار ولايتي، في تصريحه، إلى أن ما يقوله الرئيس الأميركي جو بايدن بهدوء يصرخه دونالد ترامب، قائلاً «جربنا الطرفين في أميركا وليست لدينا أي تجربة جيدة في التفاوض مع أميركا».
إلى ذلك، أكد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان، خلال زيارته مكتب «حماس» في طهران للتعزية باستشهاد يحيى السنوار، أن الهجوم الإسرائيلي «لم يترك أدنى تأثير على القوة العسكرية الإيرانية»، قائلاً، إن هذه القوة ما زالت قائمة، مشيراً إلى أن الكيان الإسرائيلي بعد أكثر من عام عاجز عن تحقيق أهداف عدوانه على غزة، ثم لبنان.
كما حذر وزير الداخلية الإيراني اسكندر مؤمني، ببرقية تعزية عقب مقتل 10 عناصر من قوات الأمن الداخلي بهجوم نسب لجماعة انفصالية عند الحدود بين إيران وباكستان، أعداء بلده وخصوصاً إسرائيل من اختبار قوتها.
ضحايا أكثر
وغداة كشف مصدر مطلع لـ «الجريدة»، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لم يلتزما بتفاهم تم تمريره عبر الوسطاء، لضرب أهداف حدودية خالية من العناصر البشرية، بشكل يمكن طهران من الادعاء بأن الضربة لم تطل أراضيها وسيادتها وأنها غير ملزمة بالرد، أفادت صحيفة «إندبندنت» الناطقة باللغة الفارسية، بأن الهجوم الإسرائيلي الذي شن السبت الماضي على الجمهورية الإسلامية تسبب بمقتل ما بين 26 و27 شخصاً.
ونقلت عن مصادر تفاصيل أن الدقائق التي سبقت الهجوم الإسرائيلي، بالموجة الأولى، شهدت اختراق أنظمة الرادار في عدة أماكن في إيران وتجميد شاشات أجهزة الرصد، مما أدى إلى فقدان القدرة على إمكانية تتبع الأهداف المحلقة.
إضافة إلى ذلك، كانت منظومات الدفاع المتقدمة، بما في ذلك نظام «إس 300» والأنظمة المشابهة، من بين الأهداف التي تم تدميرها أو تعرضها لأضرار بالغة في الهجوم.
وفجر السبت، شنّ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على إيران استهدف منشأة كانت جزءاً من برنامج طهران السابق لتطوير أسلحة نووية، إضافة إلى منشآت تستخدم لخلط وقود الصواريخ الصلب، بحسب ما نقلت وكالة «رويترز» عن باحثين، في حين ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي أن الضربة دمرت 12 «خلاطاً صناعياً» تستخدم لإنتاج الوقود الصلب للصواريخ البالستية بعيدة المدى، ما ألحق أضراراً جسيمة بقدرة الجمهورية الإسلامية على تجديد مخزونها الصاروخي بمدى زمني يصل إلى عام.
شكوى عراقية
في سياق قريب، أعلن العراق اتخاذه إجراء ضد إسرائيل، بعدما اقتحمت طائراتها الحربية مجالها الجوي، لتنفيذ هجماتها على الأراضي الإيرانية.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أمس، إن بغداد قدمت مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت «إدانة الانتهاك الصارخ الذي ارتكبه الكيان الصهيوني بخرق أجواءَ العراق وسيادته.
كما وجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وزارة خارجية بلاده بالتواصل مع الجانب الأميركي، بشأن هذا الخرق، طبقاً لبنود اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي، والتزام الولايات المتحدة تجاه أمن وسيادة العراق.
وتابع باسم العوادي، أن «الحكومة العراقية تؤكد التزامها الثابت بسيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه، وبأنها تعمل على مختلف الصعد لمواجهة هذه الانتهاكات، وتشدد على عدم السماح باستخدام الأجواء أو الأراضي العراقية للاعتداء على دول أخرى، خصوصاً دول الجوار التي تجمعها بالعراق علاقات احترام ومصالح مشتركة».
ولفت إلى أن موقف بغداد يعكس حرص العراق على اتباع سياسة الحفاظ على استقرار المنطقة ودعمها لحل النزاعات عبر الحوار والتفاهم المتبادل.
وجاء ذلك غداة تهديد فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران وتشن هجمات شبه منتظمة بمسيرات انتحارية ضد أهداف إسرائيلية في الجولان وإيلات بأنها ستنتقم بـ»رد ثقيل» على الاختراق الذي حملت مسؤوليته للقوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية.
والسبت الماضي، صرحت بعثة إيران لمدى الأمم المتحدة، بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية هاجمت طهران من المجال الجوي العراقي على بعد حوالي 70 ميلاً من الحدود الإيرانية.
وخلصت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، أن «تواطؤ أميركا في هذه الجريمة أمر مؤكد».
على الصعيد الدولي، أكدت وزارة الخارجية الروسية، أن «موسكو تبذل أقصى الجهود لمنع انزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى هاوية الحرب الكبرى».
على الجهة المقابلة، أكد رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، أن ضربة السبت أظهرت «جزءاً من قدراتنا فقط، ولدينا القدرة على فعل ما هو أكبر بكثير».
وقال خلال اجتماع تقييم للهجوم: «قمنا بضرب أنظمة استراتيجية في إيران. وسنرى كيف ستتطور الأمور الآن. نحن مستعدون لجميع السيناريوهات على جميع الجبهات».
واعتبر أن الضربة كانت «رسالة واضحة»، مضيفاً: «نعرف كيف نصل، ونضرب أي تهديد في أي مكان وفي أي وقت».
ولاحقاً، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع في «الكنيست» أن يكون قد تنازل عن التعامل مع خطر البرنامج النووي، معتبراً أنه رأس اهتمامه «ونحن مستمرون في العمل من أجل إزالة التهديد الإيراني. وإسرائيل الأكثر قوة في المنطقة. وهذه أيام مصيرية لتحول تاريخي».