وجهة نظر: هل تحتاج أميركا إلى صندوق سيادي مثل الكويت؟
في عالم تتزايد به أهمية صناديق الثروة السيادية، لضمان الاستدامة الاقتصادية، أصبح مرشحو الرئاسة في الولايات المتحدة يتطلعون إلى تأسيس صندوق سيادي، مستلهمين من النجاحات التي حققتها بعض الدول النفطية، ولكن هل يمكن أن ينجح هذا النموذج في اقتصاد يعتمد على القطاع الخاص والأسواق الحرة؟ سنلقي نظرة على التجارب الدولية ونقيّم مدى ملاءمة الفكرة للاقتصاد الأميركي.
الكويت كانت سباقة ورائدة في إدراك أهمية الاستدامة الاقتصادية، ففي 1953 أسست أول صندوق سيادي بالعالم، وهو ما تحول لاحقاً ليسمى «الهيئة العامة للاستثمار»، التي تدير اليوم أصولاً تتجاوز 978 مليار دولار، وفقاً للتقديرات غير الرسمية، لعب هذا الصندوق دوراً حيوياً في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكويتي، خاصة خلال الأزمات، كالغزو العراقي، مما أتاح للدولة الحفاظ على رفاهية المجتمع على الرغم من الاعتماد الكبير على النفط.
مع مرور الزمن، برزت صناديق سيادية لدول أخرى، رغم احتفاظ الكويت بمكانة متميزة، فما زال يعد من أكبر صناديق الثروة في العالم، فعلى سبيل المثال، تدير أبوظبي حالياً ما يقارب 1.7 تريليون دولار عبر صناديقها السيادية المختلفة، مثل «ADIA» و«مبادلة» و«ADQ»، مما ساهم في تعزيز مكانتها العالمية.
أما النرويج فقدمت نموذجاً ناجحاً في الإدارة، فأسست صندوقاً سيادياً يعتمد على عائدات النفط في التسعينيات، وأصبح اليوم الأكبر عالمياً بأصول تتجاوز 1.6 تريليون دولار، وقد مكن هذا الصندوق النرويج من تنويع استثماراتها بعيداً عن النفط، وتتميز تجربتها بدرجة عالية من الشفافية والحوكمة الفعالة، ما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد، ما جعلها نموذجاً متقدماً لكيف يمكن لدولة تعتمد على الموارد الطبيعية أن توازن بين الاستفادة الحالية من الموارد وتحقيق استدامة مالية للأجيال القادمة.
في المقابل، اختارت المملكة العربية السعودية استخدام صندوقها السيادي «صندوق الاستثمارات العامة» (PIF) لدعم رؤيتها 2030 الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد، مركزة على الاستثمار في قطاعات استراتيجية، مثل التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة، ويختلف عن غيره من الصناديق السيادية في تركيزه على التنمية الداخلية، ليصبح محركاً رئيسياً للتحول الاقتصادي داخل المملكة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فيعتمد اقتصادها على القطاع الخاص، حيث تمثل إيرادات الموارد الطبيعية نسبة لا تُذكر من الناتج الإجمالي الأميركي، لذا فإن فكرة إنشاء صندوق سيادي ستتطلب تدخلاً حكومياً أكبر، كزيادة الضرائب أو الاقتراض، ما قد يتسبب في زيادة العجز المالي، بدلاً من ذلك يمكنها توجيه مواردها بشكل أفضل نحو الابتكار والبنية التحتية، الأمر الذي يتماشى مع هيكل اقتصادها ويدعم النمو المستدام.
وتوضح التجارب أن صناديق الثروة السيادية أثبتت فاعليتها في تحقيق الاستدامة الاقتصادية للدول المعتمدة على الموارد الطبيعية، لكن بالنسبة للولايات المتحدة قد لا تكون فكرة إنشاء صندوق سيادي هي الخيار العملي، فالاقتصاد الأميركي يعتمد على نموذج مختلف قائم على التنافسية الحرة، فأي تدخل حكومي في استثمار الفوائض قد يعوق النمو.
في الختام، ما يناسب الكويت والنرويج وأبوظبي والسعودية قد لا يكون بالضرورة الخيار الأنسب لأكبر اقتصاد في العالم.
* قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية - جامعة الكويت
تويتر@salthajeb