شهد المجتمع الكويتي في السنوات الأخيرة تغيرات سلوكية ملحوظة نتيجة للتعثر المستمر لجهود الإصلاح والتنمية المستدامة، ومن أبرز هذه الظواهر «متلازمة التحلطم»، التي تعكس حالة من التذمر المستمر في الحياة اليومية، سواء في العمل أو في الحياة العامة. ولم تعد هذه الظاهرة محصورة على المستوى الشخصي والاجتماعي، بل امتدت لتؤثر على الاقتصاد الوطني أيضاً.
تتجسد متلازمة التحلطم في الشكوى الدائمة من الأمور اليومية البسيطة، وقد لوحظ انتشار هذا السلوك بشكل واسع بين موظفي القطاع الحكومي الذين لا يواجهون تحديات وظيفية حقيقية في عملهم، مما يولد لديهم شعوراً بالفراغ وتدني القيمة ويدفعهم إلى التذمر بدلاً من تطوير مهاراتهم أو البحث عن حلول. ولا يقتصر هذا السلوك على بيئة العمل، بل يظهر أيضاً على الطرقات في صورة قيادة عدوانية، تعكس حالة الإحباط المتزايد لدى بعض أفراد المجتمع.
إن تأثيرات هذه المتلازمة تتجاوز الجانب السلوكي لتصل إلى الاقتصاد الوطني، فالتذمر المتواصل في بيئات العمل الحكومية يؤدي إلى تراجع الإنتاجية، حيث يُعطل الموظفون فرص الابتكار ويتجنبون تحمل المسؤوليات، مما يسهم في هدر الموارد وتضييع الفرص الاقتصادية. إلى جانب ذلك، يؤدي الفراغ الوظيفي إلى تحميل الدولة نفقات كبيرة لرواتب لا تعود بفائدة إنتاجية حقيقية، مما يزيد من الأعباء المالية ويؤثر سلباً على كفاءة الإنفاق الحكومي.
لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تأثيراتها السلبية على المجتمع والاقتصاد، يجب اتخاذ مجموعة من الخطوات. تحسين بيئة العمل في القطاع الحكومي يُعد خطوة أساسية، من خلال إعادة هيكلة الأدوار وتوزيع المهام بطرق تعزز شعور الموظفين بقيمة عملهم وتساهم في رفع الإنتاجية. كما أن الاستثمار في برامج التحفيز والتطوير الوظيفي يمكن أن يعزز كفاءة الموظفين ويقلل من شعورهم بالفراغ. إضافة إلى ذلك، خدمات الإرشاد النفسي والوظيفي يمكن أن تساعد الأفراد في إدارة مشاعرهم بطريقة بناءة بدلاً من اللجوء إلى التذمر كوسيلة للتنفيس.
في المحصلة، تمثل متلازمة التحلطم تحدياً متعدد الأبعاد، يتطلب فهم أسبابه ومعالجته بطرق فعالة لتحسين بيئات العمل، والحد من التذمر والعدوانية، وتحقيق فوائد ملموسة على مستوى الفرد والمجتمع والاقتصاد.