وسط التجارب وتكرار بعض المشاهد، أحياناً بالشخوص أنفسهم، لأن الدنيا عندنا تسير على قاعدة (ما في ها لبلد إلا ها الولد)، وجدت صنفاً من المخلوقات أسميتهم «الدروع» فقط بدون البشرية، هم للأمانة موجودون منذ الأزل في كتب التاريخ لكنهم يتطورون ويأخذون أشكالا متعددة، وهم في النهاية يؤدون المهمة نفسها، وهي الدفاع المستميت و«استحلاب» الحجج لنصرة طرف على طرف مهما كان ذلك الطرف «عبقرياً» أو «فلتة زمانه» لكنه في الغالب يملك المال الوفير والسلطة النافذة.
هنا يجب أن أوضح أن الدروع أنواع كثيرة أبرزها نوعان رئيسان: نوع «ما يخدم بخيل» أي من لا يعمل دون مقابل، أما الثاني فهو «المتطوع الدبق» الذي يحشر نفسه أملا في أن يصل إلى مرتبة الأجير.
في الأزمان الغابرة كانت الدروع مجموعة من الشعراء، يهيمون في كل واد بحثاً عن «الدفيع الجاد» والحكاية التي يستخلصون منها كل المبالغات والأكاذيب كي ينسجوا منها قصيدة يلقونها أمام الفارس الذي لم يرفع سيفاً قط، والشجاع الذي لم ينقذ قطة في حياته، ولكن ما العمل، فتلك هي الوسيلة المثلى لكسب المال دون عمل حقيقي؟
وفي العصر الحديث اتسع نطاق عمل الدروع من المكان الضيق إلى الفضاء الرحب، بعد أن ظهرت الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية، لتظهر لنا أنواع جديدة مثل الكتّاب الصحافيين والمتحدثين في البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومع ثورة التكنولوجيا الحديثة احتل المغرد مسرح الدروع كآخر صيحة في عالم التأثير، وهنا سأتوقف قليلاً عند محنة بعض الدروع في العالم الرقمي، وأعني من عجز منهم عن التعامل مع المنصات الرقمية، هؤلاء وجدوا صعوبة في التكيف مع عالم واسع يستطيع أي شخص دخوله بلا أي خلفية أو صفة أو رخصة ودون هوية ليمارس مهنة الدروع، بعكس بعض أقرانهم «الشطار» الذين يمتلكون خاصية «التكيف» مع كل الظروف الصعبة حتى في الحروب النووية.
في الختام الحديث عن الدروع يطول ويتمدد بقدر إبداعهم في خلق واقع غير موجود ووقائع تصيب «الدفيع الجاد» بالخجل لفرط كذبها، ولكن سأختم بالحديث عن الخصم الأكبر للدروع وهو خلو الساحة من الأحداث الجسيمة والخصوم الكبار، حينها تنتهي حاجة «الدفيع الجاد» لوجودهم.