جاء إعلان الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة هذا الأسبوع عن استئناف استقطاع أقساط المبادرين بدءاً من أكتوبر الجاري، ليؤكد محدودية فهم الجهاز التنفيذي للدولة لطبيعة بيئة الأعمال المحلية وتحدياتها.
ولعله من المفيد القول إن مسألة عودة الاستقطاع أو تأجيله على مدى 4 سنوات ماضية ليست سوى عَرَض لمرض متفاقم في بيئة الاستثمار يتعامل مع أزمة المبادرين في المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أنها أزمة مالية فقط، لتناسي المسببات الحقيقية للأزمة، والتي تتمثل في مثلث الجزء الأبسط منه يتعلق بالتمويل أو تأجيل السداد، وصولا الى جزأين اكثر صعوبة، هما شح الأراضي المتوافرة للمشاريع، الى جانب البيروقراطية الحكومية.
أراضٍ وبيروقراطية
فشُحّ الأراضي الصالحة للمشاريع يعني غلاءها بما يجعل كلفة أي مشروع، خصوصا في القطاعات الصناعية أو الخدمية، مكلفا بشكل يهدد الربحية، وبالتالي الاستمرارية، مع أن القانون رقم 98/ 2013 بخصوص إنشاء صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة نصّ على أحقية تخصيص 10 بالمئة من أي أراضٍ صناعية تطرحها الدولة للمصلحة، غير أن تباطؤ مشاريع البنية التحتية في العديد من المناطق الصناعية، كالشدادية والنعايم والعارضية وميناء عبدالله و»الصفارين»، ساهم في تعقيد تخصيص الأراضي على المبادرين. أما على صعيد البيروقراطية الحكومية، فيكفي أن نطّلع على ما أعدته الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بشأن موقف الكويت في التصنيفات الدولية الخاصة ببيئة الأعمال وسهولتها، فالكويت تحتل الترتيب الـ 90 عالميا في مؤشر الحرية الاقتصادية والترتيب الـ46 عالميا في مؤشر احتياجات الأعمال التجارية والـ 41 عالميا في مؤشر «ضمان» لمكونات مناخ الاستثمار، والـ 44 عالميا في مؤشر المعرفة العالمي، والـ 37 عالميا في مؤشر التنافسية، والترتيب الـ 42 عالمياً في كفاءة مناخ الأعمال، و26 عالمياً في كفاءة الحكومة، و49 عالمياً في البنية التحتية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت تحتل في معظم هذه المؤشرات الترتيب الأخير خليجيا، مما يشير الى أن بيئة الأعمال الكويتية مليئة بالمصاعب البيروقراطية عند مقارنتها ببقية دول المنطقة، لا سيما في الجهات التجارية والخدمية التي يفترض أن مهمتها الأولى هي تسهيل الأعمال ومزاولتها، وهو ما يشكو منه المبادرون بشكل شبه دائم عندما يتعلق الأمر بالتراخيص أو العمالة أو طلبات استيراد المواد الخام أو غيرها من المعاملات الحكومية.
معالجة وإصلاحات
غير أن معالجة بيئة الأعمال وما يرتبط بها من إصلاحات في مجالات التمويل والأراضي والبيروقراطية لن تكون ذات منفعة ما لم ترتبط بفلسفة تضمن اتساق سياسات إصلاح بيئة الأعمال باحتياجات الاقتصاد بما تقدّمه من فرص عمل وسلع وخدمات للمجتمع، بل وحتى عوائد ضريبية للدولة في مراحل لاحقة، بحيث يكون تمويل المشاريع وخدمات الدولة موجهة نحو المبادرين في قطاعات ذات قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع، لا سيما قطاعات الصحة والصناعات الغذائية والتكنولوجيا والخدمات، بحيث يكون دور إدارة الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة بمنزلة جهة ناظمة تقيم سياسات الإنفاق المالي وتسهيلاته وفقا لعوائد الاقتصاد ومنفعته ومدى قدرة هذا القطاع على أداء دوره المفترض كرديف يستوعب حجما ثانويا - بشكل مرحلي - من احتياجات سوق العمل.
أوضاع الصندوق
وفي الحقيقة، فإن أوضاع صندوق المشروعات الصغيرة ليست بخير مطلقا، فالصندوق تعاقب على إدارته منذ 11 عاما 8 مديرين، في صورة توضح حالة الفوضى الإدارية المستمرة فيه، ولم يوافق إلا على تمويل 1380 مشروعاً منذ تأسيسه، وأنفق 11 بالمئة فقط من رأسماله البالغ ملياري دينار على المشاريع، إذ توقف تمويل الصندوق منذ أزمة كورونا، ولم تعد لديه أي فعالية، كما أنه لم يتحصل على الأراضي المفترض أن يحصل عليها من المناطق الصناعية الجديدة لعدم إنجازها!
دامج ومدمج
واليوم يتجه صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقا لمقترح وزارة المالية المقدم الى مجلس الوزراء للدمج، الى جانب هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والجهاز الفني لبرامج التخصيص مع هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وفي الحقيقة لا الجهات المدمجة ولا الجهة الدامجة، وهي «تشجيع الاستثمار»، لديها سجل إنجازات مشجع يشير الى إمكانية التفاؤل، فهي استقطبت خلال سنوات عملها الـ 9 استثمارات أجنبية بقيمة 1.7 مليار دينار، بما لا يتجاوز 1 بالمئة سنويا - في أحسن الأحوال - مقارنة بما تستقطبه دول الخليج الأخرى، أي أننا في مرحلة جديدة من إعادة تنظيم الفشل، وليس وضع استراتيجيات من شأنها إحياء فكرة المشروعات الصغيرة التي من المفترض أنها رائدة وتستهدف تخفيف الضغط عن سوق العمل والإنفاق العام وتحفيز المبادرة والابتكار.
ولعله من المفيد القول إن مسألة عودة الاستقطاع أو تأجيله على مدى 4 سنوات ماضية ليست سوى عَرَض لمرض متفاقم في بيئة الاستثمار يتعامل مع أزمة المبادرين في المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أنها أزمة مالية فقط، لتناسي المسببات الحقيقية للأزمة، والتي تتمثل في مثلث الجزء الأبسط منه يتعلق بالتمويل أو تأجيل السداد، وصولا الى جزأين اكثر صعوبة، هما شح الأراضي المتوافرة للمشاريع، الى جانب البيروقراطية الحكومية.
أراضٍ وبيروقراطية
فشُحّ الأراضي الصالحة للمشاريع يعني غلاءها بما يجعل كلفة أي مشروع، خصوصا في القطاعات الصناعية أو الخدمية، مكلفا بشكل يهدد الربحية، وبالتالي الاستمرارية، مع أن القانون رقم 98/ 2013 بخصوص إنشاء صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة نصّ على أحقية تخصيص 10 بالمئة من أي أراضٍ صناعية تطرحها الدولة للمصلحة، غير أن تباطؤ مشاريع البنية التحتية في العديد من المناطق الصناعية، كالشدادية والنعايم والعارضية وميناء عبدالله و»الصفارين»، ساهم في تعقيد تخصيص الأراضي على المبادرين. أما على صعيد البيروقراطية الحكومية، فيكفي أن نطّلع على ما أعدته الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بشأن موقف الكويت في التصنيفات الدولية الخاصة ببيئة الأعمال وسهولتها، فالكويت تحتل الترتيب الـ 90 عالميا في مؤشر الحرية الاقتصادية والترتيب الـ46 عالميا في مؤشر احتياجات الأعمال التجارية والـ 41 عالميا في مؤشر «ضمان» لمكونات مناخ الاستثمار، والـ 44 عالميا في مؤشر المعرفة العالمي، والـ 37 عالميا في مؤشر التنافسية، والترتيب الـ 42 عالمياً في كفاءة مناخ الأعمال، و26 عالمياً في كفاءة الحكومة، و49 عالمياً في البنية التحتية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت تحتل في معظم هذه المؤشرات الترتيب الأخير خليجيا، مما يشير الى أن بيئة الأعمال الكويتية مليئة بالمصاعب البيروقراطية عند مقارنتها ببقية دول المنطقة، لا سيما في الجهات التجارية والخدمية التي يفترض أن مهمتها الأولى هي تسهيل الأعمال ومزاولتها، وهو ما يشكو منه المبادرون بشكل شبه دائم عندما يتعلق الأمر بالتراخيص أو العمالة أو طلبات استيراد المواد الخام أو غيرها من المعاملات الحكومية.
معالجة وإصلاحات
غير أن معالجة بيئة الأعمال وما يرتبط بها من إصلاحات في مجالات التمويل والأراضي والبيروقراطية لن تكون ذات منفعة ما لم ترتبط بفلسفة تضمن اتساق سياسات إصلاح بيئة الأعمال باحتياجات الاقتصاد بما تقدّمه من فرص عمل وسلع وخدمات للمجتمع، بل وحتى عوائد ضريبية للدولة في مراحل لاحقة، بحيث يكون تمويل المشاريع وخدمات الدولة موجهة نحو المبادرين في قطاعات ذات قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع، لا سيما قطاعات الصحة والصناعات الغذائية والتكنولوجيا والخدمات، بحيث يكون دور إدارة الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة بمنزلة جهة ناظمة تقيم سياسات الإنفاق المالي وتسهيلاته وفقا لعوائد الاقتصاد ومنفعته ومدى قدرة هذا القطاع على أداء دوره المفترض كرديف يستوعب حجما ثانويا - بشكل مرحلي - من احتياجات سوق العمل.
أوضاع الصندوق
وفي الحقيقة، فإن أوضاع صندوق المشروعات الصغيرة ليست بخير مطلقا، فالصندوق تعاقب على إدارته منذ 11 عاما 8 مديرين، في صورة توضح حالة الفوضى الإدارية المستمرة فيه، ولم يوافق إلا على تمويل 1380 مشروعاً منذ تأسيسه، وأنفق 11 بالمئة فقط من رأسماله البالغ ملياري دينار على المشاريع، إذ توقف تمويل الصندوق منذ أزمة كورونا، ولم تعد لديه أي فعالية، كما أنه لم يتحصل على الأراضي المفترض أن يحصل عليها من المناطق الصناعية الجديدة لعدم إنجازها!
دامج ومدمج
واليوم يتجه صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقا لمقترح وزارة المالية المقدم الى مجلس الوزراء للدمج، الى جانب هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والجهاز الفني لبرامج التخصيص مع هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وفي الحقيقة لا الجهات المدمجة ولا الجهة الدامجة، وهي «تشجيع الاستثمار»، لديها سجل إنجازات مشجع يشير الى إمكانية التفاؤل، فهي استقطبت خلال سنوات عملها الـ 9 استثمارات أجنبية بقيمة 1.7 مليار دينار، بما لا يتجاوز 1 بالمئة سنويا - في أحسن الأحوال - مقارنة بما تستقطبه دول الخليج الأخرى، أي أننا في مرحلة جديدة من إعادة تنظيم الفشل، وليس وضع استراتيجيات من شأنها إحياء فكرة المشروعات الصغيرة التي من المفترض أنها رائدة وتستهدف تخفيف الضغط عن سوق العمل والإنفاق العام وتحفيز المبادرة والابتكار.