رياح وأوتاد: دعوة لحياد دولة عظمى وصديقة
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، قرر مجلس الوزراء وقتها برئاسة الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، تشكيل لجنة وزارية من أجل ضمان صحة عمل الجمعيات واللجان الخيرية الكويتية، والتأكد من شفافيتها وموافقتها للقانون، وابتعادها عن الأخطاء والشبهات.
وشُكّلت اللجنة من الشيخ محمد الصباح (وزارة الخارجية)، ود. يوسف الإبراهيم (المالية)، وأحمد باقر (العدل)، وطلال العيار (الشؤون)، وآخرين من مختلف الجهات الحكومية، ثم أقر مجلس الوزراء توصياتها، وكان أهمها أن تكون التحويلات المالية الخارجية بالطرق الرسمية، وبرعاية وزارة الخارجية، مع ضرورة ضمان الجهات المتبرّع لها وعلاقتها مع الكويت، خصوصاً موقفها من الغزو العراقي، بالإضافة إلى رقابة وزارة الشؤون، ومنع التبرعات النقدية.
ورحّبت الجمعيات الخيرية بهذه القرارات، لأنها تجسّد الرغبة الشعبية في ضرورة ابتعاد العمل الخيري عن أي شبهة تسيء له أو للكويت، مع القناعة بأنه لا أحد معصوم من الخطأ، وأن أي خطأ يجب أن يُحاسَب عليه فاعله، من دون أن يؤثر ذلك على العمل الخيري كله.
ويوم أمس، أوقف «الكنيست» الصهيوني عمل منظمة أونروا، التابعة للأمم المتحدة، مما سيؤدي إلى حرمان الشعب الفلسطيني من أبسط المساعدات الإنسانية، في حين يستمر قتلهم وتجويعهم وتهجيرهم، ومن المؤسف أن الرفض الذي قوبل به هذا القرار من جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لم يتعدّ الاستنكار الشفوي، بينما يستمر تدفق أسلحة الدمار والقتل إلى الصهاينة.
وعلى عكس موقفها الناعم هذا، فقد كان للولايات المتحدة موقف مختلف من بعض الجمعيات الخيرية التي اتهمتها بدعم الإرهاب ووضعتها في القوائم السوداء، وأهملت جميع أدلة البراءة التي قدّمتها «الخارجية» الكويتية في اجتماعات كثيرة، وحاربتها في كل مؤسسة دولية دون حكم قضائي محلي أو دولي، رغم أن جميع الأعراف والقوانين والدساتير تنصّ على أن أي اتهام يجب إثباته بأدلة مقنعة وأحكام قضائية، فعجباً كيف تتهم أميركا بعض الجمعيات الخيرية وتغضّ النظر عن جرائم الإبادة وإيقاف «أونروا» في فلسطين، وهي المنظمة التي تعترف بها الولايات المتحدة ولم تتهمها بالإرهاب؟!
في لجنة تقصّي الحقائق بمجلس 1992، درسنا الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، وأوصينا بتجديدها، فموقف الولايات المتحدة في تحرير الكويت لا يمكن أن ننساه، ولكن من حق دولتنا كصديق لها، وهي دولة عظمى، وتربطنا معها اتفاقيات أمنية وتجارية وغيرها، أن ندعوها إلى العدالة مع الجمعيات الخيرية الكويتية، ومع كل من يساعد أهل فلسطين، وكذلك إلى موقف إنساني محايد في الصراع العربي - الصهيوني، خصوصاً بعد تجاوز الصهاينة كل العهود والمواثيق الدولية.