شهد القطاع السكني منذ نهاية عام 2019، حتى نهاية فترة الأشهر التسعة الأولى المنتهية من العام الحالي، تطورات لافتة على كل الصعد، سواء من ناحية السيولة المتداولة، وعدد الصفقات المنفذة، وأيضاً لناحية معدل قيمة الصفقة الواحدة.
وعند تناول متوسط قيمة الصفقة الواحدة في القطاع السكني، نجد أنه شهد ارتفاعات متواصلة عدا سنتين، إذ بلغ في نهاية عام 2019، مستوى 332 ألف دينار، ليتراجع في نهاية «عام كورونا»، ليبلغ مستوى 306 آلاف دينار، ثم شهد ارتفاعاً في العام، الذي يليه ليصل إلى مستوى 328 ألفاً للصفقة الواحدة.
وقفز متوسط قيمة الصفقة الواحدة خلال عام 2022 ليبلغ مستوى 442 ألف دينار، لينخفض بعد ذلك وصولاً إلى مستوى 421 ألفاً، في نهاية عام 2023، ثم عاود في الارتفاع ليبلغ مستوى 449 ألفاً، في نهاية فترة الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.
وسجلت تلك الفترة والمنتهية في 30 سبتمبر الماضي، أعلى متوسط بين السنوات الخمس، إذ ارتفع بنسبة 35.1 في المئة، عن عام 2019، و46.7 في المئة عن العام الذي تلاه، و36.8 في المئة عن العام 2021، وهو قريب جداً من مستوى المتوسط الذي تم تسجيله في العام 2022، بارتفاع 1.6 في المئة لمصلحة فترة الأشهر التسعة.
سيولة القطاع
وفيما يخص السيولة المتداولة في القطاع السكني، فقد شهدت تراجعات متواصلة عدا سنة واحدة، عكس متوسط الصفقة الواحدة، إذ بلغت في نهاية اعام 2019 ما قيمته 1.57 مليار دينار، لتنخفض في العام الذي يليه لتبلغ 1.44 مليار.
ثم عادت السيولة إلى الارتفاع في عام 2021 لتبلغ مستوى 2.95 مليار دينار، ثم تراجع مستوى السيولة إلى ملياري دينار في عام 2022، ليستمر في الانخفاض إلى مستوى 1.31 مليار في نهاية العام الماضي، لتبلغ في نهاية فترة الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مستوى 1.073 مليار دينار.
وتوقع العديد من المتخصصين ارتفاع السيولة المتداولة على القطاع السكني في نهاية العام الحالي، مقارنة مع العام الماضي، في حال استمرت بذات الوتيرة التي شهدتها الأشهر التسعة.
وتعتبر السيولة التي شهدتها فترة الأشهر التسعة من 2014 الأقل مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، إذ تراجعت بنسبة 63.6 في المئة عن 2021، و46.5 عن العام 2022، وبنسبة 31 في المئة عن العام 2019، وهي أقل بنسبة 18.1 في المئة عن العام السابق.
عدد الصفقات
وعن عدد الصفقات التي تم تنفيذها، فهي الأخرى شهدت تراجعات مستمرة عدا سنة واحدة، إذ بلغ عددها 4728 صفقة، في العامين 2019 و2020، لتشهد طفرة كبيرة في العام 2021 ليبلغ عددها 9002 صفقة، ثم تراجعت إلى مستوى 4545 صفقة في العام 2022.
واستمرت الصفقات في الانخفاض لتصل إلى مستوى 3114 صفقة في العام 2023، لتتراجع إلى مستوى 2390 صفقة في نهاية فترة الأشهر التسعة من العام الحالي، ومن المتوقع لها تصل إلى مستوى العام الماضي في نهاية العام الحالي.
وتعتبر فترة الأشهر التسعة الأولى من 2024 الأقل بين السنوات الخمس بعدد الصفقات، إذ تراجعت بنسبة 73.4 في المئة عن 2023، و49.4 في المئة عن العامين 2019 و2020، وبنسبة 47.4 في المئة عن العام 2022، وهي أقل بنسبة 23.2 في المئة، عن العام الماضي.
وتستنتج الإحصائية التي أعدتها «الجريدة» التي استندت على البيانات التاريخية المتوفرة في إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، أن فترة الأشهر التسعة من 2024 هي الأعلى في معدل قيمة الصفقة الواحدة بالقطاع السكني، وأن العام 2021 هو الأعلى من حيث السيولة المتداولة وعدد الصفقات التي تم تنفيذها.
وشهدت العديد من المناطق تراجعات سعرية خلال الفترة الماضية، لكن هناك مناطق شهدت ارتفاعات خاصة في المناطق الداخلية، التي تشهد طلبات شراء متزايدة مقابل شح في المعروض، وأن الصفقات تتم عادة بأسعار مرتفعة لوجود رغبة لدى المشترين.
القدرة الشرائية
ويقع القطاع السكني بين فكي عوامل تدعم ارتفاع أسعاره، وأخرى تدعم انخفاضه، ومن بين العوامل التي تساهم في ارتفاع الأسعار، هو ارتفاع الطلب على العقارات وعدم وجود توجه واضح نحو حل الأزمة الإسكانية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف البناء، والقيم الإيجارية، كما أن العوائد التي يدرها القطاع تعتبر مغرية بالنسبة للمستثمرين، فجميع تلك العوامل ترفع الطلب والأسعار.
أما العوامل، التي تدعم تراجع الاسعار، فأبرزها ارتفاع أسعار الفائدة ووصول العقارات السكنية إلى مستويات سعرية غير مسبوقة، كما أن الحديث نحو تطبيق ضريبة أو رفع تعرفتي الكهرباء والماء على العقار الثاني أو الثالث يجعل هناك نوعاً من الحذر.
وعن تراجع السيولة وعدد الصفقات بصورة مستمرة، فهناك عوامل ساهمت بذلك، منها إلغاء الوكالة العقارية غير القابلة للعزل، مطلع العام الحالي، إذ لم تتم أي صفقة من هذا النوع، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة التي سحبت جزءاً كبيراً من السيولة المتوجهة نحو القطاع السكني.
ومن المؤكد أن الارتفاع المستمر في الأسعار حدّ من القدرة الشرائية للعديد من المواطنين، خصوصاً وسط ارتفاع أسعار الفائدة، إذ أصبحت العقارات وفقاً للأسعار المتداولة لا تناسب وغير متاحة لفئات عديدة من المجتمع.
وقد مرّ القطاع السكني خلال السنوات المذكورة، بعدة مراحل، أولها حدوث جائحة كورونا، التي تخللها العديد من الغموض والضبابية، والتي كان لها الأثر السلبي على السيولة والأسعار، أما المرحلة الثانية فهي معايشة الأزمة، والتي أيضاً تخللها قرارات لإنعاش الوضع الاقتصادي، والتي كان لها الأثر في ارتفاع الأسعار، وخلالها شهدت قفزات غير مسبوقة.
أما المرحلة الثالثة، وهي ما بعد أزمة كورونا، التي شهدت ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع والقروض، وصدور العديد من القرارات لتنظيم السوق العقاري، فقد كان لها أثر سلبي على السيولة المتداولة وعدد الصفقات.