يقول الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِي
هذا البيت كأنه يصف حال بعض متخذي القرارات السابقين في الحكومة والمجلس، لأنهم كانوا أشبه بالعميان عن المستقبل عند اتخاذ قراراتهم، لكن زهير كان معذوراً، فلم يكن عنده دراسات وإحصاءات تتوقع المستقبل، بينما كانت الدراسات متوافرة بين أيدي متخذي تلك القرارات السيئة، وكان عليهم أن يعملوا حساب الغد وما يحمله من تحديات مالية واجتماعية.
فمثلاً الذين مارسوا الاستثناءات التي تمت في تجنيس زوجات الكويتيين والتجنيس السياسي والعشوائي، هل كانوا منتبهين إلى الزيادة غير الطبيعية وأعبائها التي جاءت بها قراراتهم؟
وهل مَن اتخذ قرارات الكوادر غير العادلة كان على دراية بتأثيرها على المواطن الذي لم تشمله هذه الكوادر، إضافة إلى الكلفة الكبيرة التي تسببت فيها؟
وهل مَن سمح بالاتجار بأراضي الدولة وخروج القسائم الصناعية عن الأغراض التي خُصصت لها كان يعلم أو يتوقع حجم الأموال التي أُنفقت في تبادلها حالياً، وتأثير ذلك على المستهلك، وصعوبة إيقاف هذا الموضوع الآن؟
وهل نظر وفكّر مَن أنشأ المزيد من الهيئات المستقلة والملحقة والمكررة في الضرر البالغ الذي سيلحق بالعمل الحكومي والمالية العامة وتعقيد الدورة المستندية ومصالح المواطنين اليوم؟
وهل كان يتخيل الذي رفض قبل سنوات ربط مخرجات التعليم والبعثات بمتطلبات سوق العمل ما حلّ بالبلاد اليوم، حيث تم تخرّج الأعداد الهائلة وأغلبهم لا يجدون الوظيفة المناسبة وأصبحوا مجرد أرقام في البطالة المقنعة؟
وأخيراً، هل كان أصحاب المقترحات المالية يتوقعون أن الميزانية التي كانت 4 مليارات دينار فقط عام 2000 ستصبح 25 ملياراً عام 2024، وستصل إلى 40 ملياراً عام 2040 أو قبله إذا استمرت قراراتهم من دون رؤية؟
لقد أوصلت القرارات التي لم تبصر المستقبل الوضع في الجهاز الحكومي والشعبي إلى وضع سيئ وكأنهم يرددون المثل الشعبي «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، وهذا الوضع الذي أوصلونا إليه يحتاج إلى جهد ومبالغ ضخمة لإصلاحه، فالبديل الاستراتيجي وحده يحتاج الآن إلى مليار دينار، ويزداد سنوياً كلما تأخر الإصلاح.
ولعل سحب الجناسي هو أبسط هذه القرارات وأكثرها شعبية، أما الإصلاحات الأخرى فتحتاج إلى قرارات حازمة ليست شعبوية، تشمل أراضي الدولة والتعليم والبعثات والتوظيف والإنفاق العام، ولا بُد لها من رؤية اقتصادية مدروسة وتحوطية وعلى بصيرة تنظر بدقة إلى تحديات المستقبل.