في ظلال الدستور: المادتان 101 و102 محنة الدستور... دفع الوطن العربي كله ثمنها (1-2)
وحدة الوطن واستقرار الحكم
حرص الرعيل الأول في المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور على أن تكون وحدة الوطن واستقرار الحكم هي العمود الفقري للدستور والأصل الجوهري في بناء الدولة في عهدها بعد العمل بالدستور، في مقابل دعامات المجتمع من عدل وحرية ومساواة وصيانة الدولة لهذه الدعامات، وكفالة الأمن والطمأنينة للمواطنين، وقد تلاقت إرادة الرعيل الأول مع ما جاء في تصديق الأمير في الدستور من الحرص على الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، وأن يفيض الدستور على المواطنين مزيداً من الحرية السياسية والمساواة والعدالة فضلاً عن مزيد من الرفاهية، لاستكمال أسباب الحكم الديموقراطي.
وقد سارت المسيرة الديموقراطية فى الكويت، سيرة جادة مستخدمة في ذلك كل الأدوات البرلمانية من تشريع ومساءلة، سواء في مناقشات المجلس، وطلبات المناقشة باعتبارها من أدوات الرقابة البرلمانية وسائر هذه الأدوات من سؤال واستجواب وطلبات تحقيق برلماني، فكانت التجربة الديموقراطية أيقونة الديموقراطية في الوطن العربي والحلم العربي الكبير في أن تشع هذه التجربة بشعاعها الوضاء على ربوع الوطن العربي كله، وكانت مثلاً يتداوله القاصي والداني في الشارع السياسي العربي وبين أبناء الأمة العربية كلها، كما كانت مصدر قلق لبعض الحكام العرب الذين ينفردون بالسلطة، فكانت الكويت محسودة على ما حباها الله به من نعم، وعلى الأخص نعمة الممارسة الديموقراطية، وما يصاحبها في المجلس التشريعي (مجلس الأمة) من مناقشات واسعة لا حدود لها ولا قيود عليها، ومن طلبات المناقشة التي تعتبر إحدى أدوات الرقابة البرلمانية، مع سائر هذه الأدوات من سؤال واستجواب وتحقيق برلماني.
كما أن حرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية مضرب الـمثال في الشارع العربي، وباختصار فإن الكويت بدت أيقونة الديموقراطية في الوطن العربي والحلم العربي الكبير، في أن تحذو حذوها وتكمل مسيرتها كل الأقطار العربية في عالمنا المعاصر، الذي تتميز فيه الدول المتقدمة بميزة أساسية هي الحكم الديموقراطي إلى درجة أن الرئيسة ميركل، الرئيس الأسبق لألمانيا كانت لا تقابل الإ رؤساء الدول التي لديها مجالس تشريعية منتخبة، ولعل اختيار النائب محمد جاسم الصقر رئيسا لأول برلمان عربي يضم ممثلين من كل المجالس التشريعية العربية، كان شاهدا على ما تبوأته الديموقراطية في الضمير العربي من مكانة رفيعة.
الاستجواب محنة الدستور
ولأن الاستجواب وما يصاحبه من مساءلة سياسية وطلب طرح الثقة بالوزراء إعمالا لأحكام المادة (101) من الدستور وبالحكومة كلها من خلال طرح عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وتحكيم الأمير إن صدر قرار بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إعمالاً لإحكام المادة (102) من الدستور.
إلا أن الإسراف في استخدام حق الاستجواب وإساءة استخدامه في كثير من الاستجوابات، وقد أصبح الاستجواب هدفاً في ذاته، وتهديده المستمر لاستقرار الحكم، جعل من الاستجواب، محنة الدستور، الأمر الذي أدى الى حل المجلس عدة مرات، دون جدوى، من أن يكون هذا الحل، إنهاء للأزمات الدستورية بين المجلس والحكومة، التي تؤدي اليها الاستجوابات المتتالية والتي يلوح بها حتى قبل تشكيل الحكومة، لإقصاء مرشح أو عدد من المرشحين للوزارة، بما ينطوى على تدخل في سلطة الأمير في تشكيل الحكومة، إعمالا لأحكام المادة (56) من الدستور.
إيقاف العمل بالمادتين 101 و102
لهذا كان يراودني من آن إلى آخر أن تبلغ هذه الغاية المأمولة، وهي استقرار الحكم من خلال أمر أميري بإيقاف العمل بأحكام المادتين (101) و(102) من الدستور، وتنص أولاهما على طرح موضوع الثقة فى الوزراء وسحبها من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، فيما عدا الوزراء، إثر استجواب يقدم إليه وتنص ثانيتها على رفع الأمر إلى رئيس الدولة في حال إصدار المجلس قرارا بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء بأغلبية أعضائه وامتناع رئيس مجلس الوزراء والوزراء من التصويت، ليقرر الأمير في هذه الحالة إما إعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو حل مجلس الأمة إلى آخر ما قررته هذه المادة من أحكام.
وتبقى أحكام المادة (100) من الدستور التي تجيز لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه ألى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم ما لا يُدرك كله لا يُترك جُله.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.