يعتقد الكثيرون مع الأسف (وعن جهل) أن سقف الحريات في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً على منصة «تويتر» هو سقف عال بل حتى إنه من دون أي سقف ولا يقع تحت طائلة القوانين، كما يعتقد الكثيرون أيضا أن هذا السقف الإلكتروني في بلاد الغرب أو العالم الأول يلامس عنان السماء، ولا يوجد ما يمنع التغريد بما يحلو لك، وكيفما تشاء، وتشتم المدير والغفير والوزير والسياسي والطبال كما تحب، كل ذلك من دون حساب أو عقاب، بل هو أمر متوقع منك ومستحب إن كنت مواطنا صالحا تنتقد بشكل «لاذع» السياسي بشكل مباشر، كل ذلك طبعا يقع خطأ في مخيلة البعض تحت غطاء الخدمة المجتمعية ومحاربة الفساد، والأدهى والأمرّ من ذلك كله أن البعض يعتقد أن للمواطن في بلاد الغرب الحق أن يشتم المسؤول كونه يدفع ضريبة، لأنه يتكلم عن شيء يملك جزءاً منه ويملك صناعة جزء من هذا القرار بطريقة أو بأخرى. طبعا كل ما سلف من اعتقادات أو تأويلات يعد كلاماً غير عقلاني، ولا يمتّ للواقع الملموس بصلة البتة.
ففيما يتصل بدول الغرب بشكل عام وفي بريطانيا بشكل خاص، هناك عدة قوانين تحكم وتمنع العديد من الممارسات الغوغائية التي نراها على منصات التواصل المختلفة، ولعل أبرز ما يمكن أن نسرده هنا هو مسألة القوانين التي تحد من السباب والشتم والتنمر الإلكتروني، بالإضافة إلى الابتزاز وما شابهه، كما أن العديد من الدول في الغرب ما زالت تراجع قوانينها خاصة فيما يتعلق بجعل منصات التواصل الاجتماعي مكاناً ذا سقف مقبول في إطار الحريات العامة المسؤولة، وكذلك في إطار الذائقة العامة للمجتمعات، وعليه فإن النظرة للغرب بأن كل ما يحلو لنا فيه يمكن التغريد فيه والتعليق على المنصات الإلكترونية المختلفة، هي نظرة مغلوطة وغير صحيحة البتة ويجب أن تتغير بتاتا.
أما الأمر الثاني وهو النظرة على المستوى المحلي هنا في الكويت فهناك، ولله الحمد والمنة، نسبة كبيرة لاحظتها شخصيا ولامست آراءها من خلال التواصل الاجتماعي معها تقوم بالتعامل الراقي والصحيح في عرض رأيها بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة وبكل أدب، طبعا هذا لا يعني أن الكل سيتفق مع تلك الآراء، وهذا أمر بدهي، لكن مع الأسف لوحظ في الآونة الأخيرة تطاول بعض الناس وهم قلة على الآخر بطريقة أو بأخرى فيما يتعلق بالتغريدات واستخدام أسلوب غير لائق، وهو كله أمر محاسب عليه المستخدم ويقع تحت طائلة القانون.
الأمر المستنكر حقا هو أن أغلب من يتطاول في تلك الوسائل يقوم بذلك تحت انطباع أن هذا كله من باب «حرية الرأي» وهنا طبعا أستثني من هو مؤدلج وصاحب غايات وأجندات خاصة، وطبعا فإن حرية الرأي ليست مغلفة بغلاف السباب والشتائم، وهذه هي ثقافة حقا غريبة، ولعلها تطورت مع دخول المنصات الإلكترونية عالمنا وتغلغلت فيه أكثر وأكثر، ولا أرى أنا شخصيا أنه ينتقص من الفرد شيء إذا ما اتجه إلى القانون واشتكى إذا ما تم التطاول عليه إلكترونياً، فللمرء متابعون وأحبة وأهل وأصدقاء لن نقبل بخدش حيائهم ولا إعطاء فرصة للآخر بأن يستغل الطيبة في الشخصية الكويتية لإيهام الناس بما ليس هو بحقيقة.
وفي نهاية المطاف للسلطات المنوطة بالتحقيق والقضاء تقدير الأمر إذا ما كان المرء متعسفا في استخدام القانون أم لا، وعليه يجب توعية المجتمع بشكل واضح وتركيز أكث هذه الأيام على المسائل القانونية المتعلقة بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً إذا ما كان الشخص يهرف بما لا يعرف، ويلقي على الناس التهم جزافاً دون أدلة أو فهم دقيق وشامل للمواضيع التي يتحدث بها، وفي النهاية فان التستر خلف حساب وهمي أو «الدفان» لا يجعلك فوق القانون، بل قد يشدد العقوبة أحيانا، أما من ينذر نفسه للعمل العام ويتخذ مبدأ بألا يشاكي أحدا بتاتا، فهذا شخص يرى أن رأي الشارع أو الرأي العام شيء غير مؤثر بتاتا، وأن الكلمة الفصل لديه هو فقط، وإن كان هذا النهج جميلاً نظريا إلا أنه يجعل من التطاول أمراً مستحباً وطبيعياً، وهذا بلاء أكبر إن فكر المرء ملياً بالمسألة.
على الهامش:
أزمة نقص الأدوية التي ظهرت للإعلام مؤخرا، هي في الواقع ليست بجديدة ويعانيها المواطنون منذ زمن، والمشكلة الأساسية هنا أن الدواء لا يصنع محليا في الكويت، لا في مصانع محلية ولا بالوكالة، فيتم التعامل معه كسلعة وهذا خطأ كون الطبابة من مسؤوليات الدول تجاه شعوبها. وبالمقابل يحدثني شخصيا وكيل محلي للأدوية هنا في الكويت عن معاناته في تحصيل فواتيره الخاصة بالأدوية من الجهات في الدولة، وعليه فإن المشكلة تراكمية وبحاجة إلى حل جذري ونظام إداري جديد يكون فيه التعامل مع الدواء كحاجة أساسية بلا وساطات ولا وكلاء بل بتعاقد مباشر لتوفيره، مع الحرص على أن نضع خطوات لمصانع عالمية محليا خاصة بالعلامات التجارية الكبرى له.