بعد تصفية قائد الحرس الثوري في دمشق سأل الأميركيون: هل فکرتم في العواقب؟

سحب السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة مايكل هرتزوغ، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي بريت ماكغورك جانباً خلال اجتماع في البيت الأبيض بعد ظهر يوم الاثنين، 1 أبريل 2024.

Ad

قال هرتزوغ: «لقد نفذنا للتو ضربة وقمنا بتصفية قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي في دمشق، سورية»، مع ستة أعضاء آخرين من الحرس الثوري الإيراني.

رد ماكغورك بصدمة:»ماذا فعلتم؟ هل فكرتم حقاً في العواقب؟.

محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري

محمد رضا زاهدي، الذي كان يبلغ من العمر 63 عاما، كان جنرالاً، وأعلى قائد إيراني في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وكان من مؤسسي الحرس الثوري منذ 45 عاماً في الثورة الإيرانية العام 1979.كان زاهدي أيضاً صديقاً شخصياً للمرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، وقتله كان ضربة في قلب إيران، وكانت إسرائيل قد دفعت للتو عصا إلى عش الدبابير.

ماكغورك، سوليفان، وفينير تبادلوا النظرات بينهم، كانت المشاعر متباينة، فمن ناحية كان الأميركيون قادرين على فهم الأهداف، فالحرس الثوري الإيراني كان موجوداً لتشغيل وكلاء مثل حزب الله، الذي كان يركز على تدمير إسرائيل.

جادل السفير هرتسوغ بأن ذلك كان عملاً شرعياً للدفاع عن النفس، لكن مستشاري البيت الأبيض تساءلوا عما إذا كانت إسرائيل قد فكرت في كيفية رد فعل إيران، وماكغورك كان يعرف من خلال سنوات خبرته أن إسرائيل كانت تعتقد أنها جيدة جدا في إدارة التصعيد، لقد قامت قوات الدفاع الإسرائيلية بعدة ضربات محسوبة لفترة من الوقت، وهو ما أسموه»حرية التصرف«، والتي دعمتها الولايات المتحدة، لكن ماكغورك كان يعتقد أن هذه المرة كان هناك سوء تقدير كبير.

لم تتلق الولايات المتحدة أي تحذير مسبق من إسرائيل، وهو ما قد يكون أمراً جيداً، ولكن الضربة كانت لها تداعيات هائلة، فقد تم تنفيذ الضربة الدقيقة بطائرتين من طراز 35-F أميركية الصنع وتشغلها إسرائيل.

في حوالي الساعة السادسة مساءً، أرسلت إيران رسالة عبر وسطاء سويسريين تفيد بأن إيران سترد على إسرائيل لكنها تحمل الولايات المتحدة أيضاً مسؤولية الهجوم، وزعمت إيران في الرسالة أن إسرائيل لا يمكن أن تكون قد نفذت الهجوم بدون موافقة الولايات المتحدة.

على الفور، وضعت القوات الأميركية، التي تعرضت بالفعل لأكثر من 150 هجومًا من ميليشيات مدعومة من إيران في حالة تأهب مرة أخرى، وفي الساعة الثامنة مساءً، أرسل سوليفان وماكغورك رداً إلى الإيرانيين يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن على علم مسبق بالهجوم، ولم توافق عليه، ولم تشارك فيه، وأكدت الرسالة أن الولايات المتحدة مستعدة للرد على أي هجمات ضد أفرادها ومنشآتها، وأنها لا تسعى إلى حرب مع إيران.

في الساعة التاسعة مساءً، أعاد جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، تأكيد الرسالة علناً، فقال:»أوضح الأمر، لم يكن لنا أي دور في الضربة في دمشق، لم نكن مشاركين بأي شكل.«

أكل التوتر ماكغورك من الداخل، كان واضحاً من المعلومات الاستخباراتية والتصريحات العامة أن إيران اعتبرت ضربة إسرائيل ضربة كبيرة، كان الخوف الحقيقي لدى ماكغورك هو أن حزب الله قد يستغل هذه الفرصة لدخول الحرب بهجوم واسع النطاق على إسرائيل، وهو ما كانت الولايات المتحدة تحاول منعه منذ سنوات.

فجأة، أصبحت المنطقة مشتعلة مرة أخرى بتوتر وخطر كبيرين، السؤال الذي بقي هو: كيف ومتى سترد إيران؟

اسمع يا «بيبي»

بعد ثلاثة أيام، يوم الخميس 4 أبريل، تحدث بايدن إلى نتنياهو في مكالمة آمنة استمرت لمدة 30 دقيقة، استمع بلينكن وماكغورك.

قال بایدن: نحن نرى الإيرانيين يستعدون لفعل شيء كبير، اسمع، بيبي، لدينا خلافاتنا، أريدك أن تعرف أنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عنك- الدفاع الأساسي عن إسرائيل ضد إيران- أنا، جو بايدن أدعمك، ولا تحتاج إلى أن تشك في ذلك، حسنا؟». سنساعدكم في الدفاع ضد ما ستفعله إيران، أنا لا أؤيد مهاجمة إيران، ولست معكم في ذلك، لن نقوم بذلك»... ثم تحولت المحادثة إلى الوضع في غزة.

سأل بايدن: «ما استراتيجيتك يا رجل؟».

أجاب نتنياهو بشكل مباشر: «علينا دخول رفح».

قال بایدن: «بيبي، ليس لديك استراتيجية.ليس لديك استراتيجية».

رد نتنياهو: «هذا غير صحيح، جو، نحن نعمل على تفكيك حماس، لقد قضينا على 75% من كتائبهم علينا أن نلاحق الـ25% المتبقية، هذا ما نقوم به الآن».

وأضاف نتنياهو: «وجو، لن يستغرق الأمر سوى ثلاثة أسابيع، صدقني لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً! هذه هي نهاية الحرب علينا تطهير رفح، وبعدها سينتهي الأمر سيستغرق الأمر ثلاثة أسابيع».

قال بایدن: لا، سيتطلب الأمر شهوراً، كانوا قد سمعوا هذا من قبل، فقد قال الإسرائيليون على سبيل المثال، إن عمليتهم في خان يونس ستستغرق ثلاثة أسابيع، وقد استغرقت قرابة خمسة أشهر.

في بعض الأحيان، بدا نتنياهو مستاء، كما لو أن العالم كله انقلب ضد إسرائيل، سواء الأمم المتحدة، أو الجميع، وكان يشكك في ما إذا كانت الوضعية الإنسانية في غزة بهذا السوء.

لهجة غير دبلوماسية

قرأ بایدن قائمة بالإجراءات التي يجب على إسرائيل اتخاذها فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، لم تكن لهجته دبلوماسية بعد الآن، فقال: «عليك أن تغمر المنطقة.يجب أن يكون هناك تدفق هائل من المساعدات.يجب أن تكون مستدامة، ويجب أن تكون هناك عملية تضمن أن العمال الإنسانيين يمكنهم القيام بعملهم بأمان»... كانت طلبات بايدن من إسرائيل محددة، وصولاً إلى عدد الشاحنات التي يجب أن تسمح إسرائيل بدخولها إلى غزة والمعابر التي يجب فتحها.

قال بایدن: «نريد أن نرى ميناء أشدود مفتوحاً لتسليم المساعدات مباشرة إلى غزة، افتح معبر إيريز حتى تصل المساعدات إلى شمال غزة ويمكن أن تصل الشحنات من الأردن مباشرة إلى غزة».

وأضاف: «نريد أن نرى 350 شاحنة يوميًا، بما في ذلك 100 شاحنة يومياً للشمال، فقبل هجوم 7 أكتوبر، كانت نحو 500 شاحنة تعبر الحدود إلى غزة لجلب الطعام والدواء، داخل إسرائيل كانت هناك احتجاجات تعرقل الطرق أمام الشاحنات المتجهة إلى غزة، مما يظهر أن المعارضة لم تكن محصورة فقط على نتنياهو.داخل غزة كانت هناك مؤشرات مقلقة على وجود مجاعة».

بوب ودورد

قال بایدن: «تحتاج إلى خلية فك الارتباط لضمان أن يكون العاملون الإنسانيون في الغرفة مع قوات الدفاع الإسرائيلية ووحدات القيادة الخاصة بك لضمان ألا يحدث شيء مثلما حدث مع منظمة World Central Kitchen مرة أخرى»، كان يشير إلى الهجوم بالطائرة الإسرائيلية بدون طيار الذي أصاب بالخطأ (بالخطأ جداً) قافلة مساعدات تابعة للمنظمة، مما أدى إلى مقتل سبعة عمال إغاثة دوليين من بينهم أميركي، وكانت القافلة قد قامت لتوها بتفريغ أكثر من 100 طن من الطعام المرسل إلى قطاع غزة.

عرض مذهل لإطلاق الرهائن

ثم تحول الرئيس إلى صفقة الرهائن، كانت الولايات المتحدة تعتقد أن هناك حوالي 70 رهينة إسرائيلية لا تزال محتجزة لدى حماس في شبكة الأنفاق تحت غزة.

ماكغورك، الذي كان يدير الجانب الأميركي من مفاوضات الرهائن مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل (وليام) بيرنز، كان يعتقد أنه كان سيكون هناك وقف لإطلاق النار قبل أشهر لو وافقت «حماس» على إطلاق سراح المزيد من الرهائن.

في عدة مناسبات، رأى ماكغورك عروض تبادل الرهائن التي وافقت عليها القيادة السياسية لحماس في الدوحة ومصر، ولكن عندما أرسلت هذه العروض عبر شبكتها إلى الأنفاق ليحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، عاد الرد: «نرفض هذا العرض».

هذا ما كان يدفع الإسرائيليين إلى الجنون، فقد وضعت إسرائيل وقفاً كاملاً لإطلاق النار على الطاولة مقابل الإفراج عن النساء وكبار السن والجرحى، ورفض السنوار ذلك... الآن دفع بایدن نتنياهو لتقديم العرض الأكثر تقدماً حتى الآن لحماس، كان بيرنز قد نصح بايدن بأن هذه الصفقة لديها فرصة جيدة للنجاح لأنها تعطي «حماس» ما تريده.

كان العرض هو: تطلق حماس سراح 40 رهينة، وتفرج إسرائيل عن 900 سجين فلسطيني، بما في ذلك 100 محكوم عليهم بالسجن المؤبد، وكان ماكغورك يعتقد أن هذا العرض مذهل وليس أمراً سهلاً على الإطلاق بالنسبة لنتنياهو أن يوافق عليه، فقد كانت إسرائيل تعتبر الـ100 محكوم عليهم بالسجن المؤبد «إرهابيين»، وكثير منهم قتلوا إسرائيليين.

قال بايدن لنتنياهو: «إنه يستحق دفع ثمن باهظ لإخراج الرهائن»، وكانوا يعلمون أنه بخلاف ذلك، من المحتمل أن يموت الرهائن في الأنفاق.

قال نتنياهو إنهم سيقدمون العرض، وبعد المكالمة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قائمة من أربع صفحات بالإجراءات التي ستتخذها استجابة لما قاله بايدن إنهم بحاجة إلى القيام به في الجانب الإنساني.

رد السنوار

في اليوم التالي 5 أبريل رد السنوار عبر وسطاء: لا، فالسنوار قضى سنوات في السجن الإسرائيلي، وتعلم اللغة العبرية وكرس حياته لتدمير إسرائيل، كان يعتبر أيديولوجياً بالكامل، ويعتقد أنه مختبئ في أماكن معيشة تحت الأرض أسفل غزة محاطاً بالرهائن للحماية، وقد وجدت القوات الإسرائيلية بعض أجنحته المؤثثة بعمق في الأنفاق، مع أماكن نوم مريحة ودشات، وفي إحدى المناسبات عثر جنود الجيش الإسرائيلي على كتاباته على سبورة قبيل فراره.

أظهرت المخابرات الأميركية وملاحظات مباشرة أخرى وجود متاهة استثنائية من مئات الأميال ومستويات متعددة من الأنفاق في غزة، وقد رفض السنوار بشكل قاطع مغادرة الأنفاق.

قال بيرنز عن السنوار: «من الصعب التفاوض مع شخص لديه رغبة في الموت». واستنتج المحللون الإسرائيليون والأميركيون أيضاً أن السنوار يعتقد أن الحرب تسير لصالحه، إذ إن إسرائيل أصبحت أقل شعبية وعزلة بشكل متزايد، وقد رفض السنوار عروض إسرائيل بوقف إطلاق النار مقابل الرهائن، لذا جادلت إسرائيل الآن بأنه كان لا بد من الدخول إلى رفح، معتقدة أن الطريقة الوحيدة لإخراج الرهائن هي مزيج من المفاوضات والضغط العسكري، وكان الإسرائيليون مصممين على قتل السنوار الذي كان يقدم نفسه بالفعل کشهید.

إيران... لا للحرب

وفي الوقت نفسه في طهران في 5 أبريل، تجمع آلاف الإيرانيين لحضور جنازة القائد زاهدي وأعضاء الحرس الثوري الستة الآخرين الذين قتلوا في ضربة إسرائيلية، كتب على الشاحنات التي تنقل النعوش «شهداء على طريق القدس»، ورفع الناس في الجنازة لافتات مكتوب عليها: «الموت لإسرائيل» و«الموت لأميركا»، وقد تعهد الزعيم الأعلى لإيران، خامنئي، بأن إسرائيل ستدفع الثمن.

كان أمير علي حاجي زاده قائد الصواريخ الإيراني البارز، يدفع نحو هجوم كبير بالصواريخ على إسرائيل، وأشارت المخابرات الأميركية إلى أن المرشد الأعلى الذي كان عادة براغماتيا لأنه لا يرغب في الدخول في حرب كبيرة، كان غاضباً جداً من اغتيال زاهدي، صديقه، في دمشق لدرجة أنه لم يكن يضع أي قيود على حاجي زاده.

في 9 أبريل أرسلت إيران رسالة أخرى عبر الوسيط السويسري، وقالت إيران إنه ليس لديها أي نية لاستهداف الولايات المتحدة، لكنها هددت القواعد الأميركية في غرب آسيا إذا تحدت الولايات المتحدة رد إيران على إسرائيل.

في تلك الليلة، أظهرت معلومات جديدة أن إيران كانت تستعد لهجوم غير مسبوق تاريخياً على إسرائيل باستخدام مجموعة متنوعة من الصواريخ والطائرات بدون طيار، بما في ذلك الصواريخ البالستية.

في الساعة العاشرة صباحاً من يوم 10 أبريل، دعا سوليفان القادة للاجتماع، وأطلعهم وزير الدفاع أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة CQ براون، وقائد «سنتكوم» الجنرال إريك كوريلا على الاستعدادات الدفاعية، اتفق القادة على أن اللحظة تتطلب التعامل المباشر مع رئيس الدفاع الإيراني محمد باقري.

«بيبي»... كاذب ولعين

الأسرار موجودة دائماً، وغالبا ما تكون الأسرار ذات وزن هائل خاصة في العلاقات الإنسانية، ماذا تعتقد الشخصيات الرئيسة حقاً عن بعضها؟ وما الذي يحدث خلف الكواليس والذي قد لا يلاحظه الآخرون أو يتخيلونه؟ وما القوى المحركة التي قد لا يتم التعبير عنها أو رؤيتها؟

استياء الرئيس بايدن وعدم ثقته برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كانت تتصاعد على مدار سنوات، وفي ربيع 2024 انفجرت أخيراً.

صرح الرئيس بايدن بشكل خاص لأحد أقرب مساعديه «ذلك اللعين بيبي نتنياهو، إنه شخص سيئ، إنه شخص سيئ جداً! هو لا يهتم بحماس، هو يهتم فقط بنفسه». كان الرئيس مشغولاً بعدم الثقة تجاه نتنياهو، الذي قال إنه كان يكذب عليه بانتظام.

كان نتنياهو يدمر منطقة غزة بأكملها، ويقصف واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض بـ 45.000 قنبلة تقريباً، ما يقرب من نصف 47% سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة هم أطفال دون سن 18 عاماً، مئات القنابل التي ألقيت على غزة كانت من النوع الثقيل بوزن 2.000 رطل، وكانت المجزرة تشبه بعضاً من أسوأ القصف خلال الحرب العالمية الثانية، وكان نتنياهو مستمراً في القول إنه سيقتل كل عضو في حماس.

قال له بايدن إن ذلك مستحيل، مهدداً بشكل خاص وعام بحجب شحنات الأسلحة الأميركية الهجومية إلى إسرائيل.

قبل 7 أكتوبر، كانت القيادة السياسية لنتنياهو في حالة مزرية، وكان يواجه تهما جنائية بالاحتيال والرشوة التي تم تأجيلها عدة مرات، وكان يتعرض لانتقادات واسعة بسبب دفعه لإصلاحات قانونية وقضائية أضعفت استقلالية القضاء الإسرائيلي، كان نتنياهو على وشك الإطاحة به كرئيس للوزراء.

ولكن بعد هجوم حماس واسع النطاق في 7 أكتوبر خلال فترة قيادته، دفع نتنياهو الأسئلة المتعلقة بالفشل الاستخباراتي والأمني الكارثي في إسرائيل جانباً وأعاد بناء نفسه كقائد حرب قوي، لقد التفّ الإسرائيليون حول رئيس وزرائهم، الحرب المستمرة وفرت لنتنياهو الحماية.

قال الرئيس بايدن لأحد الأصدقاء، إن نتنياهو كان يعمل بجد الآن لإنقاذ نفسه سياسياً والبقاء خارج السجن، وكان بايدن مذهولاً من أن قيادة بيبي استمرت، فقال «لماذا لم يحدث هناك تمرد داخلي قوي لإزالة بيبي من منصبه بطريقة ما! فقط أخرجوه من هناك!».

اشتكى الرئيس بايدن بمرارة من أن نتنياهو لم يقض أي وقت في وضع خطة لغزة والمنطقة بعد انتهاء الحرب، كان يعرف ذلك بسبب عدة مكالمات آمنة مع نتنياهو والعديد من الاجتماعات التي أبلغ عنها بلينكن على مدار الأشهر الستة الماضية.

كان البيت الأبيض يصدر موجزات قصيرة عن مكالمات بايدن ونتنياهو إلى وسائل الإعلام تشير إلى أنها كانت مثمرة وودية ومنتجة.

قالت مديرة المخابرات الوطنية أفريل هاينز عن نتنياهو: «إنه شخص يعتقد أنه أولاً وقبل كل شيء منقذ إسرائيل، وثانياً، هو لا يريد أن يفقد إرثه عما فعله حتى الآن ولا يريد أن يُذكر كرئيس الوزراء عن 7 أكتوبر»... «سياسته بالتأكيد في رأيي تؤثر على قراراته في هذه المرحلة».

ضغط بایدن على نتنياهو في أعقاب 7 أكتوبر بعدم القيام بغزو بري لغزة، إسرائيل مضت قدماً على أي حال، ضغط بايدن على نتنياهو للسماح بالمساعدات الإنسانية المستمرة إلى غزة، لكن الهجوم العسكري الإسرائيلي جعل تقديم المساعدات شبه مستحيل، واستمرت الكارثة الإنسانية في التصاعد في غزة.

كان وزير الخارجية بلينكن يعمل على مدار الساعة تقريباً لعدة أشهر، كان مرهقاً، ومستنزفاً عاطفياً وجسدياً بسبب تعاملات نتنياهو ومناوراته.

وحذر بایدن نتنياهو من القيام بهجوم عسكري في رفح، لكنه في النهاية أرسل الجيش الإسرائيلي، فقال بايدن «إنه كاذب... ثمانية عشر من أصل تسعة عشر شخصاً يعملون معه هم كاذبون أيضاً».

كان بايدن يعتقد أنه إذا كان سيقطع علناً مع نتنياهو، فإنه سيعرض أمن إسرائيل للخطر، وهو أمر لم يكن مستعداً للقيام به بعد 7 أكتوبر، كانت إيران وحزب الله يراقبان.

وسع نتنياهو الهجوم العسكري الإسرائيلي، وفي أواخر مايو اضطر إلى الاعتذار بعد هجوم بري في الجنوب بالقرب من معبر رفح المكتظ بالسكان، والذي أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين في المخيمات، ووصفه بأنه حادث مأساوي، واستخدمت الذخائر الأميركية الصنع من إسرائيل في الضربة القاتلة، وكانت إسرائيل قد خصصت المنطقة كمنطقة آمنة، وبحلول نهاية مايو 2024، كان قد قتل ما لا يقل عن 35,000 شخص في غزة.

استقال بيني غانتس، مسؤول رئيسي في مجلس الحرب ومنافس نتنياهو السياسي الأعلى، من حكومة الطوارئ الإسرائيلية في 9 يونيو، مما جعل نتنياهو يعتمد أكثر على أعضاء اليمين المتطرف في تحالفه.

قال غانتس للأسف: «نتنياهو يمنعنا من تحقيق النصر الحقيقي، وهو التبرير للأزمة المؤلمة المستمرة»، ودعا نتنياهو إلى تحديد موعد للانتخابات الإسرائيلية، وأظهرت استطلاعات الرأي أن غانتس سيتغلب على نتنياهو.

قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن هجوم حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل كان أكبر فشل استخباراتي وعملي في تاريخ دولة إسرائيل»، وأضاف: «كان ينبغي على الاستخبارات الإسرائيلية معرفة ذلك، حتى لو لم يعرفوا ذلك قبل حدوثه، كان ينبغي عليهم إيقافه، لم تكن الفيرماخت»، في إشارة إلى القوات المسلحة الألمانية «كانوا مجرد بضعة آلاف من الرجال في أحذية رياضية يعبرون الأرض المفتوحة»، لم تفعل الحرب في غزة الكثير لاستعادة سمعة قوات الدفاع الإسرائيلية.

في يونيو، أنقذ الجيش الإسرائيلي أربعة رهائن آخرين احتجزتهم حماس في غزة، لكنه قتل ما لا يقل عن 274 فلسطينياً في عملية الإنقاذ، وأصيب المئات الآخرون ألقت إسرائيل باللوم على حماس لوجود الرهائن بين المدنيين في مخيم النصيرات، وهو مخيم للاجئين مزدحم بالسكان.

نجح الرئيس بايدن في ردع حرب أوسع في الشرق الأوسط، حتى الآن، لكنه فشل في كبح جماح الحكومة الإسرائيلية لمنع كارثة إنسانية في غزة، ولم يغير السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وواصل تقديم مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية لنتنياهو.

كان بايدن يمشي على حبل مشدود مع إسرائيل.