زيادة إنتاج «أوبك +» أمام تحديات سوق النفط الضعيف
متخصصون لـ «الجريدة•»: احتمال تمديد الخفض حسب التطورات الجيوسياسية يواجه صعوبات «الحصص»
بداية، قال رئيس مجلس إدارة شركة «الشال» للاستشارات، جاسم السعدون «لا نستطيع القول إنها (أي اتفاقية أوبك +) غير مجدية، فلربما انخفضت الأسعار أكثر لو لم يكن هناك اتفاق خفض، والواقع أن حركة الأسعار في الزمن القصير ليست ما تقلقني، إنما الاتجاه الهبوطي للأسعار على المدى المتوسط إلى الطويل، وعجز خفض الإنتاج عن رفع الأسعار مؤشر على احتمال استدامة ذلك الهبوط».
جاسم السعدون: الموقف التفاوضي يميل لمصلحة المستهلكين بالضغط على الأسعار لضمان استدامة اقتصادهم ومبررهم سلامة البيئة وسخونة الأرض
• الوقود الأحفوري سيبقى مطلوبا لـ 100 سنة قادمة بكميات أقل ما يعني انخفاض معدلات أسعاره
وأضاف أن من أهم مبررات الهبوط على المدى المتوسط إلى الطويل هي، الموقف التفاوضي غير المتكافئ، فميله كبير لمصلحة المستهلكين وهم يضغطون على الأسعار لاستدامة نمو اقتصادهم، وسلامة البيئة وسخونة الأرض تمنحهم، بالحق والباطل، مبررات أخلاقية ووجودية، ومن أجلها يتم التسريع في خفض تكلفة إنتاج بدائل الوقود الأحفوري.
تأجيل الزيادة
وذكر: كان من المفترض أن تزيد «أوبك +» إنتاجها في أكتوبر الفائت، ولكن أوضاع سوق النفط دفعتها إلى التأجيل إلى يناير المقبل، ولا أحد يعرف ما إذا كان وضع السوق سيصبح أفضل في يناير، والمؤكد أن «أوبك +» ستكرر مراجعتها له، لافتاً إلى أن المؤشرات حتى الآن لا تشير إلى اختلاف أوضاع السوق في يناير عن أوضاعه في سبتمبر، معرباً عن اعتقاده أنها قد تؤجل زيادة إنتاجها ما لم يحدث توسع للعنف الجيوسياسي، ولعدم الزيادة أيضاً تبعات، فالدول المضغوطة مالياً ضمن المنظومة قد تبدأ بالتذمر، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض مستويات الالتزام بالحصص ما يضغط على الأسعار إلى الأدنى.
وأوضح السعدون، أن الدورة التاريخية لسوق النفط هي أن الاستثمار في القطاع ينخفض كلما تدنت الأسعار وطال أمد تدنيها، ثم تعاود الارتفاع عندما يبدأ مستوى الطاقة الإنتاجية الانخفاض إلى قريب من مستويات الاستهلاك، ما يفتح الطريق إلى تدفق الاستثمارات من جديد، لافتاً إلى أنه ما قد يحدث في المستقبل لن يكون بنفس الوتيرة التاريخية، لأن معدلات استهلاك الوقود الأحفوري لا تنمو بمستوياتها التاريخية، وتكلفة إنتاج الوقود البديل تنخفض باستمرار، وبيّن أن الوقود الأحفوري سيبقى مطلوبا لمئة سنة مقبلة لكن بكميات أقل، ما يعني انخفاض معدلات أسعاره عند مستوى تكاليف النفوط الأقل تكلفة إنتاج، وفي الغالب ستكون نفوط المنطقة العربية وبعض الدول المماثلة.
تقلبات ملحوظة
من جهته، قال رئيس مجلس ادارة مجموعة «الشموخ» لخدمات النفط بالإمارات، د. علي العامري «تسعى اتفاقية خفض إنتاج أوبك + إلى تحقيق توازن في سوق النفط ودعم الأسعار. ومع ذلك، شهدت أسعار النفط تقلبات ملحوظة في عام 2024، حيث تراجع خام برنت في سبتمبر إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ 2021، نتيجة لمخاوف حول الطلب العالمي وزيادة الإمدادات من خارج أوبك +».
علي العامري: اتفاقية خفض الإنتاج قد لا تكون كافية لتحقيق استقرار الأسعار في ظل العوامل المحيطة المتغيرة
• شركات النفط العالمية قد تضطر إلى خفض المصاريف وتقليل العمالة في حال استمرار تراجع أسعار الخام
وأضاف العامري أنه في اجتماعها الأخير: قررت أوبك + الإبقاء على سياسة الإنتاج دون تغيير حتى نهاية 2024، رغم هذه التقلبات، مما يشير إلى أن فعالية الاتفاقية في رفع الأسعار قد تواجه تحديات بسبب عوامل خارجية مؤثرة.
وأشار إلى أنه كما يبدو أن اتفاقية خفض الإنتاج في أوبك + قد تواجه صعوبات في تحقيق الهدف المنشود من رفع أسعار الخام، لكون التذبذب المُلاحظ في أسعار النفط يعكس عوامل متعددة، منها التقلبات في الطلب العالمي، وزيادة الإنتاج من مصادر أخرى مثل الولايات المتحدة، وقدرة بعض الدول على تقليل الاعتماد على استيراد النفط، وتأثير التكنولوجيا على كفاءة الإنتاج، ورأى أن اتفاقية خفض الإنتاج قد لا تكون وحدها كافية لتحقيق استقرار دائم في الأسعار في ظل هذه العوامل المتغيرة.
وقال إنه في الاجتماع الأخير، قررت «أوبك +» الإبقاء على سياسة الإنتاج دون تغيير حتى نهاية عام 2024، ومن غير المتوقع أن تزيد المنظمة إنتاجها في الاجتماع المقبل في ظل التحديات الحالية في سوق النفط.
وأضاف: مع ذلك، قد تزيد «أوبك +» إنتاجها إذا شهدت زيادة في الطلب العالمي على النفط أو تناقصت الإمدادات من منتجي النفط المنافسين، أو تعرضت لضغوط من الدول المستوردة، موضحاً أنه في حال تمت الزيادة، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة العرض في السوق، مما قد يضغط على الأسعار ويؤدي إلى تراجعها، مشيراً إلى أنه يبقى من الصعب التنبؤ بدقة بتأثير هذه الزيادة على الأسعار، نظراً لتأثرها بالعديد من العوامل مثل المنافسة بين منتجي النفط، والتوقعات المستقبلية للطلب، وحجم المخزونات العالمية.
تقليل الاستثمارات
واختتم العامري قائلاً إنه مع تراجع أسعار النفط، قد تضطر شركات النفط العالمية إلى خفض المصاريف وتقليل العمالة للحفاظ على الربحية، مما قد يؤدي إلى تقليل الاستثمارات في الإنتاج والاستكشاف، وتأجيل بعض المشاريع الجديدة، وهو ما قد يؤثر سلباً على إمدادات النفط المستقبلية. ورغم ذلك، قد تختلف استراتيجيات الشركات حسب حجم استثماراتها وخططها المستقبلية، حيث يمكن أن تدفعها الأسعار المنخفضة إلى تحسين كفاءة الإنتاج للحفاظ على الأرباح.
التخلي عن الاتفاقية
بدوره، قال عضو مجلس إدارة المجلس الأعلى للبترول سابقاً، د. خالد بودي، إن «اتفاقية أوبك + من الاتفاقيات التي ساعدت على المحافظة على أسعار النفط من التدهور، وكان يمكن أن نشهد تراجعاً أكبر في أسعار النفط لو تم التخلي عن هذه الاتفاقية».
خالد بودي: أسعار النفط قد تشهد تراجعاً كبيراً في حال التخلي عن اتفاقية «أوبك +»
• رفع الإنتاج حالياً يعني دفع الأسعار إلى المزيد من التراجع في ظل ظروف جيوسياسية متغيرة
وأضاف بودي أن أسواق النفط تواجه ضغوطاً متعددة على الأسعار مثل تنامي الصراعات في أماكن مختلفة من العالم، وضعف النمو الاقتصادي، وجهود خفض الانبعاثات الكربونية، لافتاً إلى أن العوامل المجتمعة تؤدي إلى تراجع الأسعار حتى في ظل وجود اتفاقية أوبك +، موضحاً أن هذه الاتفاقية وإن كانت لا تستطيع منع تأثير هذه العوامل، إلا أنها تخفف من تأثيرها على الأسعار، مشيراً إلى أن زيادة إنتاج أوبك + حالياً لا تبدو مناسبة، مبيناً أن رفع الإنتاج حالياً لا يعني إلا دفع الأسعار إلى المزيد من التراجع في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية.
خفض الإنتاج
وتابع بودي: إن كانت «أوبك +» لا ترغب في المزيد من خفض الإنتاج في الوقت الحالي، فالأفضل أن تحافظ على الأقل على مستويات الإنتاج الحالية، مبيناً أن التراجع الحالي في أسعار النفط من غير المتوقع أن يؤدي إلى تراجع عمليات الاستكشاف والحفر، حيث إن شركات النفط تضع خططاً طويلة الأمد بالنسبة لنشاط الاستكشاف والحفر ولا يتأثر هذا النشاط بالتأرجح الذي تشهده الأسعار، والذي قد يكون مؤقتاً تعود بعده الأسعار للتحسن، ولكن في حال استمر انخفاض الأسعار لمدة تتجاوز العام فهنا قد تضطر شركات النفط إلى إعادة النظر في خططها وتقليص عمليات الاستكشاف والحفر، مما يؤدي بالتبعية إلى خفض أعداد القوى العاملة.
انخفاض السعر
من ناحيته، قال المحلل النفطي كامل الحرمي: «لم تتوقع الأسواق النفطية انخفاض تأرجح سعر البرميل حول مستوى (72 دولاراً) للبرميل، رغم اتفاق (أوبك +) بخفض الإنتاج والتزام أعضاء المنظمة بخفض إجمالي بـ6 ملايين برميل يومياً.
وأضاف الحرمي: أنه لدرجة أن المنظمة البترولية اتفقت على تأجيل زيادة الإنتاج ابتداء من الشهر المقبل بمعدل 200 ألف برميل، ومن ثم زيادته إلى أكثر من 500 ألف برميل في اليوم مع نهاية العام الحالي.
كامل الحرمي: السعر التعادلي المطلوب لدول الخليج النفطية يتراوح بين 96 و100 دولار
• دول من خارج «أوبك +» تحصد أفضل العوائد المالية عبر الاستفادة من قرارات المنظمة
وأشار إلى أن قرار المنظمة بوقف الزيادة مؤخراً أتى بعد تراجع أسعار النفط إلى معدلات غير متوقعة، بالرغم من التزامها بقرار الخفض، في حين أن أسعار أسهم الشركات النفطية وأهمها الشركات النفطية الوطنية في نزول.
وقال إن الأهم هو السعر التعادلي المطلوب ما بين 96 إلى 100 دولار للبرميل الواحد للدول النفطية الخليجية، لافتاً إلى أن المستوى الحالي من الأسعار سيكبد معظم الدول المنتجة والمصدرة للنفط خسائر تفوق المعدلات الماضية، ومن ثم البحث عن وسائل وآليات لتعويض وسد العجوزات المالية المتوقعة.
وتساءل الحرمي ماذا على (أوبك +) أن تعمل أو تفعل؟ وهي لا تستطيع أن تتحكم في الطلب العالمي على النفط، في حين بكل تأكيد تستطيع أن تتحكم في الإمدادات، وقد يكون السبب هو ضعف الطلب العالمي ومن الزيادات المتوقعة من الإمدادات البترولية.
معدلات منخفضة
وقال: هناك إمكانات دول وشركات نفطية من خارج المنظمة النفطية تستطيع أن تحقق عوائد مالية وأرباحاً عند أي معدل ما بين 50 إلى 60 دولاراً، لافتاً إلى أنه في حين أن الدول المنتجة والمصدرة للنفط من أعضاء (أوبك +) تتحمل هذه المعدلات المنخفضة، وعليها التزامات الدولة والمواطن والنفقات والمتطلبات اليومية، متسائلاً: ماذا سيفعل الأعضاء عند المعدل الحالي للبرميل في حين المطلوب في حدود 100 دولار؟ وماذا سيكون توجه وإمكانية الدول حالياً ومستقبلاً ومتطلبات المواطن عديدة وكثيرة؟
وأضاف أن الدول والشركات النفطية العالمية تعمل مع كل خفض في سعر النفط نحو المزيد من الضغط على المصاريف وتخفيض العمالة بقدر الإمكان، والحفاظ على هامش مريح من الأرباح، وإلا فإن حملة الأسهم بالمرصاد.
وذكر الحرمي أن الولايات المتحده الأميركية، والبرازيل، وكندا تضخ المزيد من النفط لتحقق المطلوب، في حين (أوبك +) عليها أن تجد الحل. والحل قد يكون عسيراً وعلى حسابها عبر خفض إنتاجها. لكن دول وشركات خارج المنظمة لا تخفض إنتاجها وستحصد أفضل العوائد المالية عبر الاستفادة الكبرى من قرارات المنظمة.