الأغلبية الصامتة: في بيت جدي

نشر في 06-11-2024
آخر تحديث 05-11-2024 | 19:29
 إبراهيم المليفي

تفسر العوامل الاقتصادية الكثير من السلوكيات وأساليب الحياة التي يراها البعض سلبية أو غير حضارية، وتؤدي فجوة الأجيال دورها في عدم معرفة الجيل الأحدث ما كان يفعله أجدادهم في حياتهم اليومية لكسب قوت يومهم، ولو عرفوا ذلك لصمتوا وأدركوا أن قلة البدائل تفرض على الناس حلولاً لا مهرب منها.

في بيت جدي في منطقة الشامية، أوائل السبعينيات كنت ألعب في ذلك البيت الكبير وخاصة في «الحوش» الواسع المفروش «بالكاشي» لم أكن أعلم أن تلك المساحة هي حوش الغنم والطيور المفروش بالرمل فيما مضى، كان جدي، رحمه الله، يعيش على نمط سلوكه القديم الذي كان يمارسه في بيت الطين بمنطقة المرقاب، والانتقال إلى البيت الواسع المبني على أحدث طراز حينذاك لم يمنعه من شرب الحليب الطازج يومياً أو الاغتسال بالماء البارد والنوم على سطح المنزل.

لم يكن ذلك السلوك مستنكراً وقتها، لأن جيلاً بأكمله ظل ممسكاً بالكثير من عاداته القديمة، مع الحنين اليومي لبيوت الطين رغم قساوة الحياة فيها، وما ساعد على بقاء تلك العادات القديمة، تأخر السوق في تقديم المنتجات العصرية حتى ظهرت الجمعيات التعاونية والبقالات التي نقلت أسلوب الحياة والتغذية داخل المنزل إلى مستويات جديدة، ووفرت ما يكفي للاستغناء عن حوش الغنم والطيور والذهاب «للفرضة» يومياً لشراء الخضراوات والفواكه.

إن الغرض من كل ما سبق ليس استرجاع ذكريات الماضي، ولكن الغرض منه هو التحضير لمعطيات الزمن القادم تحت وطأة الغلاء الذي طال جميع مستلزمات الحياة، وسيقودنا حتماً إلى تبديل أسلوب حياتنا، نحن نشتكي من ارتفاع أسعار البيض واختفائه أحيانا من الأسواق، وهي سلعة مطلوبة بشكل يومي، إذاً سيبدأ التفكير بتربية الدجاج في المنازل للخروج من هذه المهزلة، كما كان يفعل أجدادنا في منازلهم، وهنا أنا اكتفيت بعنصر واحد من الضروريات لأن السلوك الاستهلاكي الذي نتبعه (مختل) بالأساس ويحتاج الى ترشيد إجباري يعدل مسارنا ويعلي من شعار «محاربة الغلاء بالاستغناء».

وقد تظهر لنا بعض الإشكاليات مثل صعوبة تربية الدواجن في الشقق، ولكن من يعرف الناس «المضغوطة» اقتصاديا سيعرف أنهم سيبحثون عن مخرج لتلك المشكلة وبموافقة جميع سكان العمارة لأن المصلحة واحدة، الشيء الإيجابي في هذا الموضوع أن السوق بشكل عام أصبح قادراً على تقديم حلول ذكية لا حصر لها للزراعة المنزلية مثلاً، بحيث أصبح بالإمكان إنشاء مشاتل داخل البيوت لزراعة بعض الخضروات المطلوبة للاستهلاك اليومي.

في الختام لا بد من الإشارة إلى وجود منتجات كويتية تنتظر اليد القوية التي تفتح لها الباب للوصول إلى المستهلكين مباشرة لتخفيف وطأة أزمة الغلاء، وإلى ذلك الحين نحن ننتظر أول من يقص شريط الاكتفاء الذاتي من البيض وتعود سيرة بيوت الطين من جديد.

back to top