رغم صدور قانون هيئة أسواق المال منذ عام 2010، وقانون الأسرة عام 2015، فإن المنازعات القضائية الخاصة بهذين القانونين لا تسمح بالطعن عليها أمام محكمة التمييز، مما تسبب في عدم حسم العديد من القضايا الخاصة بين المتنازعين في هذا النوع من القضايا، والتي كان الواقع والمنطق القانوني يوجب عرضها أمام المحكمة.
وعرض الأنزعة أمام «التمييز» ليس ترفاً قانونياً أو ميزة يتعين إلحاقها في نظامنا القضائي، إنما ضمانة قانونية تسهم في رفع الضمان القانوني لسلامة المحاكمات التي تجريها المحاكم الموضوعية التي تسهم في جودة الأحكام وتنقيتها من أي قصور أو خلل يعتريها حال الفصل بها من قبل المحاكم الموضوعية، لذلك فإن فقد طريق الطعن أمام «التمييز» في المنازعات والقضايا الخاصة بقضايا الأسرة أفضى إلى وجود العديد من الأحكام التي نالها العوار القانوني، رغم صدورها من محاكم عليا كـ «الاستئناف»، وهي بطبيعتها تتعامل مع الأنزعة المعروضة أمامها من وجهين موضوعي كنقل بحث النزاع مجدداً أمام محكمة الاستئناف، وكقانوني يراقب ما صدر عن المحكمة الابتدائية من أحكام في النزاع الموضوعي.
إلا أن غياب رقابة «التمييز» باعتبارها محكمة قانون أسهم، كما أسلفت، في صدور العديد من الأحكام المليئة بالملاحظات القانونية، التي لو كتب لـ «التمييز» صلاحية رقابتها عليها لما صمتت عنها. ومضي هذا الوقت على تجربة عدم إخضاع رقابة المحكمة على أنزعة أسواق المال بمجالاتها التجارية والإدارية والجزائية وكذلك قضايا الأسرة يستدعي من المشرع الكويتي النظر في الأمر مجدداً، ومدى أهمية الطعن بالتمييز على هذا النوع من القضايا.
ولا يستقيم أن تفصل محاكم الاستئناف في تلك الأنزعة، وتكون أحكامها باتة رغم ارتباطها بمصائر الناس المالية في قضايا أسواق المال، والتي تصل إلى ملايين الدنانير، ولا يسمح لقضاء التمييز بمراقبتها، رغم أن قانون المرافعات لا يمنع إمكانية الطعن أمام «التمييز» في القضايا التجارية والإدارية والجزائية بنوعيها الجنايات والجنح امام «التمييز»، ولا يسمح لنفس أنواع تلك القضايا بالطعن عليها أمام المحكمة لمجرد أنها مصنفة قضايا أسواق مال من دون أن يبرر الغاية من وراء حرمان المتقاضين من الطعن عليها أمام «التمييز».
ولا يمكن القول إن دواعي عدم السماح بالطعن في التمييز لهذا النوع من القضايا هو الرغبة في إصدار سرعة الأحكام، واستقرار المراكز القانونية، إلا أن ذلك الأمر لا يمكن تحقيقه على حساب جودة الأحكام، وعدم إضفاء الرقابة القانونية على الأحكام الصادرة من محاكم الموضوعية، كما أن فكرة الاستعجال في إصدار الأحكام بالإمكان تحقيقها بتأقيت مدة التقاضي، وإصدار الأحكام في مواعيد منظمة، للحد من فكرة التأخير في حسم الأنزعة أمام القضاء.