مصطفى لغتيري: ليس كل من راجت كتاباته أديباً موهوباً

أكد أن الأدب الكويتي ساهم في ترقية الوعي الثقافي عربياً

نشر في 08-11-2024
آخر تحديث 07-11-2024 | 18:59
مصطفى لغتيري
مصطفى لغتيري
بإبداعه القصصي والروائي، يشكّل مصطفى لغتيري حالة إبداعية متفردة في المشهد الثقافي المغربي، ففي رصيده 36 مؤلفاً متنوعاً، وكتاباته تتسم بالعمق والاختلاف والزخم الفكري، وجميعها لاقت اهتماماً نقدياً لافتاً بما طرحته من قضايا مهمة تعكس هموم المواطن في المجتمع المغربي والمجتمعات العربية.
وقد ترجمت بعض كتبه وقصصه إلى اللغات الفرنسية والإسبانية والإنكليزية والألمانية. «الجريدة» ألقت الضوء على هذه التجربة المميزة عبر الحوار التالي:

• القارئ لأعمالك يلحظ أثر الموروث الشعبي، وشغفك بالتاريخ الإنساني للمغرب، فإلى أي مدى كان هذا الشغف أدبياً؟

- لا يخفى على أحد أن الكاتب عموماً معنيّ بمختلف القضايا التي يحبل بها المجتمع، أو تحدد مصيره، ومنها التراث الشعبي والتاريخ المحلي والإنساني، وقد حاولت استثمار التراث الشعبي كما في رواية «عايشة قنديشة» ورواية «ابن السماء»، كما اشتغلت على التاريخ في عدد من الروايات، مثل التاريخ القديم في رواية «تراتيل أمازيغية» والتاريخ الوسيط في رواية «الأطلسي التائه» من خلال سيرة أحد المتصوفة، الذي عاش خلال القرن الثاني عشر الميلادي إبان حكم الدولة المرابطية للمغرب، وهي نفس الفترة تقريباً بالنسبة لرواية «زوجة الملوك الثلاثة».


غلاف رواية «ابن السماء» غلاف رواية «ابن السماء»

أما التاريخ الحديث فوظفته في رواية «أحلام المسيسيبي على ضفاف سبو»، ورواية «ابن السماء» وروايات أخرى.

عايشة الإنس والجن

• في روايتك «عايشة قنديشة» ثمّة توظيف للأسطورة أو الخرافة، في مفارقة صارخة بين عالمين متوازيين، عالم الإنس وعالم الجن يحكمان مسار المتن الحكائي، هل ثمة مؤثرات اجتماعية أو نفسية دعتك إلى كتابتها؟

- اختيار الكتابة ضمن هذا النمط من الرواية، وأقصد توظيف الخرافة أو الأسطورة، والمقصود هنا أسطورة الجنية «عايشة قنديشة»، وهي الخرافة المنتشرة في المناطق الساحلية بالمغرب، فقد كان الحافز لتوظيفها يتمثل في شقين، الأول فني جمالي، فكما هو معروف يعشق الناس قصص الجنيات ويتفاعلون معها إيجابا خلال القراءة، وشق دلالي وتنويري يتجسد في محاولة التركيز على المفارقة التي يعانيها المثقف العربي عموماً، بين ما يظن أنه يؤمن به من أفكار تنويرية، وما يوجه سلوكياته من أفكار، تتماشى في سيطرة الفكر الغيبي الخرافي عموماً.

• لعل من يطّلع على النص الأدبي عند مصطفى لغتيري يكتشف التيمات الأساسية التي تنطلق من البيئة المغربية، ما الذي يجعل البيئة نصاً أدبياً خالص الإبداع في نظرك؟

- من نافل القول، إن الأديب ابن بيئته، لذا كان لزاماً أن تكون كتاباتي مرتبطة بالبيئة التي تحيط بي، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، كل كتاباتي لامست بشكل كلي أو جزئي إحدى القضايا المهمة التي يحبل بها المجتمع، ومنها قضايا نفسية، كما في رواية «رجال وكلاب»، وقضايا سياسية في رواية «أسلاك شائكة»، وقضايا الهوية في «تراتيل أمازيغية»، ورواية «ليلة إفريقية» وقضايا المرأة في رواية «امرأة تخشى الحب»، وقضايا الجريمة في رواية «زنبقة المحيط»، وغيرها من القضايا المنبثقة من عمق البيئة التي أحيا فيها وأحس نبض المجتمع فيها لكشف تناقضاته والمفارقات التي تحكم سلوك الناس فيه، فضلاً عن همومهم وأحلامهم وطموحاتهم.

الفرانكفونية

• ما تفسيركم حول انتشار الأدب المغاربي الفرانكفوني في أوروبا، ويتم تداوله نقدياً وإعلامياً؟

- علمتنا العلوم الإنسانية عموماً أن التفسير الأحادي لظاهرة من الظواهر غالباً ما يجانب الصواب، لذا يمكن تفسير انتشار الأدب المغاربي الفرانكفوني في أوروبا بعدة أسباب، منها أولاً أن هناك حركة ثقافية قوية في أوروبا، تجعل كل نوع من الكتابة لها أبناؤها، فسوق الكتب مزدهرة، ودور النشر محترفة، وتحسن تسويق الكتب، كما أن هناك جالية مغاربية مهمة في أوروبا، مما يجعلها فئة مستهدفة، ولو افتراضاً بالكتاب المغاربي، هذا فضلاً عن اللغة التي يكتب بها المبدعون هناك، فكم من كاتب متوسط الموهبة كتب باللغة الفرنسية أو الإنكليزية راجت بضاعته ولقي الاحتفاء والتكريم، وكم كاتب جيد كتب باللغة العريية فوجد التجاهل مصيراً له.


غلاف «زوجة الملوك الثلاثة» غلاف «زوجة الملوك الثلاثة»

كما يمكن القول - بتحفّظ طبعاً - إن بعض الكتّاب يقدمون الثقافة العربية بما يتوافق مع أفق انظار القارئ الأوروبي، وربما يزيد ذلك من الإقبال على كتاباتهم.

نشاط ثقافي

• كونك مؤسس غاليري الأدب ومديره العام بالمغرب ورئيس الصالون الأدبي، ما الأدوار التي يقوم بها الصالون الأدبي والغاليري للكتّاب والأدباء؟

- حاولنا في الصالون الأدبي وفي غاليري الأدب تنشيط الفعل الجمعوي الثقافي، من خلال تنظيم أنشطة ثقافية افتراضية وواقعية، ونشر الكتب الجماعية والفردية، وطرح قضايا ثقافية عموما وأدبية خصوصاً للنقاش، ومحاولة تطوير مهارات الكتاب الشباب والجدد عموماً، من خلال التوجيه والدعم، وقد نجحنا في ذلك نسبياً، فعدد من الكتّاب في الساحة الثقافية المغربية والعربية كان الفضل للصالون الأدبي ولغاليري الأدب في إبراز أسمائهم، خاصة من خلال الجوائز التي نظمناها وفاز بها كتّاب من شتى الدول العربية ومن بلاد المهجر.

اتجاهات أدبية

• كيف تقيّم الحضور الأدبي المغربي في المشهد الثقافي العربي؟

- أعتبر أن الأدب المغربي جزء أصيل من الأدب العربي، ليس فقط بسبب اللغة العربية التي يكتب بها، لكن كذلك بسبب التأثر الكبير بالأدب العربي قديمه وحديثه، حتى وإن كانت للأدب المغربي بعض الخصوصيات النابعة من خصوصية المجتمع الذي أنتجه، إلا أنه في رأيي أحد وجوه الأدب العربي عموماً، يدل على ذلك الاتجاهات الأدبية التي عرفها، وهي امتداد لما عرفه المشرق العربي من مدارس أدبية، انطلاقاً من مدرسة الإحياء، ومروراً بالرومانسية، والواقعية، والحداثة الشعرية، وقصيدة النثر، وغيرها.

تبسيط المعلومة

• هل يمكن القول، إن حياتك التدريسية لها أثرها وتأثيرها فيما اتخذت من توجّه نقدي؟

- طبعاً كان للتدريس أثر عميق في حياتي وفي كتاباتي عموماً، ففي هذا الميدان يكون الأستاذ مضطراً إلى تبسيط المعلومة إلى أقصى حد، حتى تُفهم من طرف الجميع، وقد طال هذا الأمر كتاباتي، بحيث أجدني أراهن دائماً على أن تضم إبداعاتي معنى أول، يُفهم من طرف الجميع حتى الأطفال، دون التخلّي عن معنى عميق يحتاج إلى قراءة عميقة مسلحة بأدوات منهجية.

كما أتاح لي التدريس أن أكون في تماسّ مباشر مع مشاكل المجتمع من خلال الإصغاء المتأني للتلاميذ ومشاكلهم، ومساعدتهم في حلها أحياناً، حسب الإمكانات المتاحة، كما أن تنقلي في عدد من المدن المغربية للتدريس جعلني أعرف عن كثب التفاوتات في مجال التنمية والغنى الثقافي الذي يحبل به البلد، فوظفت كل ذلك في كتاباتي.

الأدب الكويتي

• الآن أسألك عن مدى اقترابك من الأدب الكويتي؟

- كان الأدب الكويتي إلى زمن قريب كالأدب المغربي يُعدّ من الهامش، مقابل المركز الثقافي مصر ولبنان، لكنه تدريجياً فرض نفسه بفضل أقلامه الجيدة، التي حظيت بكثير من الاحترام، أما عن معرفتي بالأدب الكويتي والثقافة الكويتية، فلا يمكن إنكار فضل المنشورات الأدبية الكويتية، التي ساهمت في ترقية الوعي الثقافي والفني لدى الكاتب المغرب والعربي عموما، وخاصة بالنسبة لي شخصياً من خلال سلسلة إبداعات عالمية، وسلسلة عالم الفكر، دون أن ننسى مجلة العربي الغراء، أما بالنسبة إلى الأدباء، فقد قرأت كثيراً للكاتبة ليلى العثمان، والتقيت في مؤتمر أغادير للرواية الكاتب طالب الرفاعي، فكانت فرصة سانحة لتبادل الكتب، وتعرفت إثر ذلك على مساهماته القصصية والروائية، كما لا أخفي إعجابي برواية سعود السنعوسي «ساق البامبو».

مشروع ترجمة

• ما مشاريعكم المستقبلية في حقل الكتابة؟

- المستقبل مفتوح على إمكانات كبيرة، أتمنى أن أحقق فيها ما يدور في ذهني من أفكار ومشاريع، أنا الآن منشغل بمشروع ترجمة بعض إبداعاتي للغة الألمانية، تقوم بها مؤسسة ألمانية، تنشر ما تترجمه لي في مجلة، وبعد ذلك ستنشره في كتاب يعرّف بي وبكتاباتي، كما أنني متشوق لمعانقة روايتي الجديدة، الواحدة والعشرين، التي ستصدر قريباً عن دار نشر مغربية «دار التوحيدي»، وتحمل عنوان «في بيت الجنرال».

• كيف تلخص مساركم الإبداعي والفكري؟

- منذ بداية انخراطي في الكتابة اخترت بحكم قراءاتي المتعددة التنويع في الأجناس الأدبية، التي أكتب فيها، وكان جنس القصة القصيرة والرواية أكثر الأجناس الأدبية، التي نالت اهتمامي، لذا كانت جلّ إصداراتي في هذين الجنسين، محاولاً بذلك المساهمة مع كتّاب جيلي والأجيال السابقة في ترسيخ الإبداع السردي بالمشهد الثقافي المغربي والعربي عموماً، لأنني أعتبر ذلك نوعاً من التحدي الحضاري، الذي يجب علينا أن ننجح فيه، فالكتابة السردية عموماً قصة ورواية مقياس من مقاييس التطور الحضاري للأمم.

back to top