دول الخليج ترى ترامب حليفاً يمكنها التعامل معه

ماكرون يدعو الأوروبيين إلى إنهاء تفويض أمنهم لواشنطن والدفاع عن مصالحهم بمواجهتها
• موسكو تبعث رسائل مبكرة للجمهوريين: التفاوض على الأمر الواقع أو دمار الشعب الأوكراني

نشر في 08-11-2024
آخر تحديث 07-11-2024 | 21:05
مناصرون لترامب قرب مبنى الكابيتول في واشنطن (رويترز)
مناصرون لترامب قرب مبنى الكابيتول في واشنطن (رويترز)
فور إعلان فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وعودته الثانية إلى البيت الأبيض، بدأت تظهر التداعيات المتباينة لهذا الحدث على الساحة الدولية. وفي وقت أظهرت دول الخليج ارتياحاً، تغير الخطاب السياسي في أوروبا استعداداً للمتغيرات الجديدة، في حين بدأت دول أخرى مثل روسيا وضع أوراقها على الطاولة.

وسط الاضطرابات الجيوسياسية التي لم يشهدها العالم منذ عقود، والتي انفجرت في السنوات الأربعة الأخيرة، خلال عهد الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن، أثار فوز الجمهوري دونالد ترامب، الذي يرفع شعار «أميركا أولاً» ويدعو إلى سياسة انعزالية، تساؤلات حول كيفية انعكاس السياسات الخارجية للإدارة التي تتسلم السلطة في يناير على العلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسية والحروب القائمة بالفعل في أوكرانيا والشرق الأوسط.

في هذا السياق، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن دول مجلس التعاون الخليجي، التي تؤدي دوراً مهماً على الساحة الدولية والتي تملك ثقلاً اقتصادياً واضحاً، تنظر إلى ترامب كحليف يمكن التعامل معه، للمساعدة في إنهاء الحرب المدمرة في الشرق الأوسط، والتوصل إلى ضمانات أمنية حازمة والمزيد من الاستثمارات الأميركية في تنويع اقتصاد المنطقة بعيداً عن الاعتماد الكامل تقريباً على الطاقة.

وتشير نيويورك تايمز الى أن ترامب عزز خلال ولايته الأولى علاقات شخصية مع زعماء الخليج، وعرض دعماً دفاعياً قوياً لهذه الدول، مع تجنب التدّخل في شؤونها الداخلية.

وبعيداً عن العلاقات الأمنية والتجارية الوثيقة بين ترامب والخليج، يفضل العديد من الناس العاديين في المنطقة، وخاصة الشباب، القيم الاجتماعية الأكثر محافظة التي يتبناها الحزب الجمهوري، بينما كان للرئيس جو بايدن، في المقابل، تاريخاً أكثر توتراً مع زعماء الخليج.

وشعرت دول الخليج بالإحباط من الدعم العسكري والسياسي القوي من إدارة بايدن لإسرائيل في الحرب الحالية، ما غذى المخاوف في المنطقة بشأن رئاسة كامالا هاريس، فضلاً عن المخاوف من السياسة الديموقراطية، التي يعتبرها كثيرون في الخليج متعالية وربما مزعزعة للاستقرار لأمنهم القومي.

وذكرت الصحيفة بتصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الأسبوع الماضي خلال منتدى الاستثمار السنوي للمملكة الملقب بـ»دافوس في الصحراء» قال فيه: «عملنا مع الرئيس ترامب من قبل، لذلك نحن نعرفه ويمكننا إيجاد طريقة للعمل معه جيداً».

وذكّرت بأن ترامب اختار العاصمة السعودية الرياض لأول رحلة خارجية له كرئيس في العام 2017، مما يشير إلى الأهمية التي يوليها للعلاقة.

رغم ذلك، تقول الصحيفة، إنه مع توجه ترامب إلى ولاية ثانية، قد يكون مسار أجندته الأمنية والدبلوماسية في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً، حيث ستحاول إدارته الجديدة إحياء خطة لإقامة اتفاق سلام سعودي ـ إسرائيلي مقابل اتفاقية دفاعية معززة مع الولايات المتحدة ودعم أميركي لبرنامج نووي سعودي مدني، وهو الاتفاق الذي كادت أن تتوصل له الدول الثلاث قبل اندلاع حرب إسرائيل مع حماس في أكتوبر 2023.

أوروبا

في المقابل، لم تخفِ الكلمات اللطيفة التي استخدمها الزعماء الأوروبيون في بيانات التهنئة لترامب الهواجس والمخاوف الأوروبية من عودة الشرخ بين ضفتي الأطلسي الذي أحدثته ولاية ترامب الأولى.

وبعد الحديث عن تنسيق فرنسي ـ ألماني لمواجهة «المتغيرات الجديدة»، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، في مستهل قمة المجموعة السياسية الأوروبية التي تستضيفها بودابست الأوروبيين الى إنهاء تفويض أمنهم «للأبد» للأميركيين، مشدداً على أن الدول الأوروبية يجب أن «تدافع» على نطاق أوسع عن مصالحها في مواجهة الولايات المتحدة والصين.

وقال ماكرون: «هذه لحظة تاريخية حاسمة بالنسبة إلينا نحن الأوروبيين. السؤال المطروح علينا في الأساس هو: هل نريد أن نقرأ التاريخ كما يكتبه الآخرون، الحروب التي شنها فلاديمير بوتين، الانتخابات الأميركية، الخيارات التي يتخذها الصينيون على الصعد التكنولوجية والتجارية؟ أم أننا نريد أن نكتب التاريخ؟ أعتقد شخصياً أن لدينا القدرة على كتابته».

رغم ذلك، فإن رسالة أوروبا ليست موحدة في هذا الشأن. وفيما كان الائتلاف الحاكم في ألمانيا يتصدع بسبب خلافات داخلية، كانت رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني تكيل المديح للملياردير الأميركي إيلون ماسك أحد أكبر داعمي ترامب، والمرشح لتولي منصب في الإدارة الجديدة. وقالت ميلوني «أنا على قناعة بأن التزام ماسك ورؤيته يمكن أن يمثلا مورداً مهماً للولايات المتحدة وإيطاليا، بروح من التعاون تهدف إلى مواجهة التحديات المستقبلية».

رسائل روسية

من جهة أخرى، بدا أن موسكو تقدم عروضها وتحدد شروطها للرئيس الجديد. وفيما شدد وزير الخارجية سيرغي لافروف على أن بلاده منفتحة على «حوار متساوٍ ودون إملاءات إذا بادرت الإدارة الأميركية الجديدة إليه»، دعا رئيس مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو الغرب إلى الاعتراف بالواقع على الأرض وبدء التفاوض مع موسكو من أجل تجنب «تدمير الشعب الأوكراني».

وفي رسالة بدا أنها موجهة مباشرة إلى الرئيس الاميركي المنتخب، قال شويغو، خلال اجتماع مجالس أمن بلدان رابطة الدول المستقلة، «الآن بما أن الوضع في ساحة المعارك ليس مؤاتياً لنظام كييف، أصبح لدى الغرب خياران: مواصلة تمويله أوكرانيا وتدمير الشعب الأوكراني أو الاعتراف بالواقع الراهن وبدء التفاوض».

وتحدث محللون روس عن تفاؤل حذر حيال عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وقال المحلل الروسي سيرغي بيرسانوف إنه على الرغم من أن ترامب لم يقدم سياسة محددة تجاه روسيا، فإن الكرملين يعتبره مفاوضاً مناسباً، خصوصاً أنه اتخذ في ولايته السابقة نهجاً أكثر واقعية في السياسة الخارجية، وغالبا ما كان يحدّ من مشاركة واشنطن في الصراعات الدولية ويفضل التركيز على المصالح الداخلية.

وأعرب الكاتب الروسي المختص بالشؤون الأميركية يفغيني ماركوف عن ثقته بأن ترامب سيفي بوعده بالاتصال بموسكو وكييف. ووفقاً له، يقوم رئيسا روسيا وأوكرانيا بإعداد الرد على مقترحاته المحتملة، ذاكراً أن فوز الجمهوريين بالسلطة الكاملة التشريعية والمالية والرئاسية يعزز هامش المناورة لوضع سياسة خارجية أكثر مرونة وبراغماتية.

من الجوانب المهمة الأخرى لانتصار ترامب، بحسب الكاتب ماركوف، هو التخفيض المحتمل لنشاط حلف شمال الأطلسي «ناتو» قرب الحدود الروسية، فقد أظهر في ولايته الأخيرة اهتماماً محدوداً بتعزيز الحلف وانتقد الدول الأوروبية بسبب نقص تمويله.

أما في أوكرانيا، فرغم اتصال الرئيس فلوديمير زيلينسكي بترامب لتهنئته إلا أنه لا يمكن تجاهل حالة «الصدمة والتوجس» من احتمال انقطاع الدعم المالي والعسكري.

الصين مستعدة للتوتر

وفي بكين، هنّأ الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس ترامب ودعا إلى «تعزيز الحوار والتواصل» بين البلدين، بحسب ما أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا».

وقال شي لترامب، إنّ «التاريخ أظهر أنّ الصين والولايات المتحدة تستفيدان من التعاون وتخسران من المواجهة».

وأضاف أنّ «علاقة مستقرة وصحية ومستديمة بين الصين والولايات المتحدة تتفق مع المصالح المشتركة للبلدين ومع تطلعات المجتمع الدولي».

وكان ترامب وعد خلال الحملة الانتخابية، على غرار ما فعلت منافسته الديموقراطية كامالا هاريس، بممارسة ضغوط على الصين في مجالات عدة، بما في ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على كل واردات الولايات المتحدة من المنتجات الصينية.

وحذّرت الخارجية الصينية أمس، من أنه «لن يكون هناك فائز في حرب تجارية» بعد إعادة انتخاب ترامب.

والتقى شي جينبينغ ودونالد ترامب أربع مرات، فيما أشاد الرئيس الأميركي المنتخب أخيرا بـ«العلاقة القوية جداً» التي تربطه بالرئيس الصيني.

كما أكد أنه يستطيع ثنيه عن شن عملية عسكرية ضد تايوان... بفرض رسوم جمركية بنسبة 150 في المئة على المنتجات الصينية.

وفيما أشارت وكالة بلومبرغ إلى أن بكين هذه المرة تبدو مستعدة أكثر لمواجهة ترامب وحربه التجارية، قالت متحدثة باسم وزارة التجارة الصينية، إن بكين حاضرة لتعزيز التواصل وتوسيع التعاون وحل الخلافات مع الولايات المتحدة من أجل تنمية مستقرة وسليمة ومستدامة للعلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.

back to top