عندما تتلقى العلاج في أي مستشفى محلي، سواء كان حكومياً أو خاصاً لفترة طويلة، ستكتشف مدى النقص الشديد في الأطباء بمختلف التخصصات، وكذلك النقص الملحوظ في الكادر التمريضي، وكلا المجالين ظهرا جلياً في جلب أطباء وممرضين وفنيين وافدين لملء شواغر كثيرة في قطاع الصحة، وهذا ما دفعني إلى تذكر حادثة الأطباء الستة «البدون» الذين تطوعوا في بداية جائحة كورونا للعمل بالمجان، ولم تكافئهم الوزارة مقابل تضحياتهم في تلك الفترة الحرجة التي مرت على العالم كله، وعلمت السفارة البريطانية بمأساة هذه الفئة من الأطباء، فمنحتهم تأشيرة دخول للمملكة المتحدة للعمل في قطاع الصحة برواتب مغرية، دون أن يرف جفن الحكومة الكويتية لخبرات نادرة من الأطباء أنفقت عليهم ملايين الدنانير لتعليمهم من الابتدائية حتى تخرجهم كأطباء يشار إليهم بالبنان، والنتيجة أن الكويت خسرت طاقات شبابية في عمر الورد، وأهدرت أموالاً أنفقتها عليهم طوال عقود من الزمن، لتستفيد دول أخرى من علومهم وخبراتهم وجهودهم.

كلنا يعرف أن الدول المتقدمة لا تتردد في استقطاب أصحاب الكفاءات والتخصصات النادرة من مختلف الجنسيات لملء الشواغر في وظائف حساسة كالقطاعات الصحية والتعليمية والتكنولوجية وغيرها للمساهمة في البناء والتنمية، فتقوم بتقديم كل أشكال الإغراءات المادية كالجنسية والإقامة الدائمة والرواتب الخيالية والسيارات والمساكن المرفهة وغيرها من أساليب الإقناع بمواصلة العيش هناك، وقد بدأت غالبية دول مجلس التعاون كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ومملكة البحرين بالسير في طريق تجنيس الكفاءات تنفيذاً لخطط طويلة الأمد بمنح جنسية الدولة الخليجية لكل الكفاءات الطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية بهدف جذب المزيد من الكفاءات والخبرات والتخصصات النادرة حسب حاجة ومنفعة الدولة المعنية.

Ad

منذ بداية الكويت الحديثة في منتصف الأربعينيات حتى منتصف ستينيات القرن المنصرم عرفت الدولة أن الكفاءات النادرة التي وفدت إلينا لابد أن يكون مآلها الرحيل إما عند الكبر أو بعد تحقيق هدف الاسترزاق أو لأي سبب يجبرها على المغادرة النهائية قبل أن تستفيد الكويت من كامل خبراتها ومن قدراتها المادية، ولهذا كانت خطوة وطنية حصيفة بالاتجاه الصحيح في تلك الفترة عندما قررت الحكومة أن تمنح الجنسية الكويتية للكفاءات العربية والأجنبية المتخصصة في المجالات الطبية الهندسية والفنية والمالية والإدارية، والتي كانت الكويت بحاجة ماسة إليها كلها.

وقد ساهمت هذه الكفاءات والخبرات العربية في بناء الكويت الحديثة جنباً إلى جنب مع الكويتيين، حتى ازدهرت الكويت كي يلقبها القاصي والداني بلؤلؤة الخليج عن جدارة واستحقاق، الغريب في موضوع تجنيس الوافدين أنه وبعد عقود من النجاح في عملية التجنيس، بدأ القائمون على عملية التجنيس باعتماد العشوائية في هذه العملية، فكانت النتيجة أن اضمحل تجنيس الكفاءات وازداد عدد الأميين بشكل واضح وفاضح، بعد أن كانت الكويت قد وصلت إلى نقطة النهاية بالتخلص من هذه الآفة، وبدلاً من أن نستفيد من عملية التجنيس، انقلبت لتصبح وبالاً على الاقتصاد الوطني وعلى الخدمات التعليمية والصحية وحتى على البنية التحتية.

اليوم يعيش بيننا وافدون قدموا وما زالوا يقدمون خدمات جليلة للوطن في مختلف القطاعات التي نستشعر نقصاً في كوادرها، وما زال هؤلاء الوافدون في أوج عطائهم، وما بدلوا تبديلا، لكننا لا ندري متى ستحين ساعة رحيلهم الأبدي.

من جانب آخر كلنا يعرف أن حكومتنا الرشيدة لديها كل المعلومات حول هذه الكفاءات، كما تعرف هي جيداً من الذي سيفيد الديرة أكثر من غيره، ومن منهم يستحق التجنيس، لهذا أتساءل: ألم يحن الوقت لسد الكثير من الشواغر في القطاعات التعليمية والصحية والهندسية والفنية من خلال التجنيس المدروس بعناية أو منحهم الإقامة الدائمة للانطلاق ببلادنا نحو الأفضل من جديد؟