ترامب من جديد... كيف يمكن للعرب التعامل مع عودته إلى البيت الأبيض؟
عاد دونالد ترامب إلى سدة الحكم بما يشبه «التسونامي» الانتخابي، وعادت شخصيته المتفردة وطريقته غير التقليدية في اتخاذ القرار لحكم أميركا والعالم، وهذا ما يجعل القادة ومراكز القوى العالمية ويجعلنا كعرب أمام تحدٍ جديد وربما فرصة جديدة للتعامل مع استثنائيته في ظل ما يدور في العالم وفي منطقتنا من حروب وأزمات وصراعات مستدامة حول الطاقة المستدامة.
في فترة ولايته الأولى، تعامل الجميع مع رئيس استثنائي عرف بصراحته وجرأة مواقفه وأسلوبه المباشر في التفكير والتعبير، فمنهم من نجح في اكتساب صداقته المؤقتة كرجل أعمال يدير البيت الأبيض بذهنية التاجر تارة وبطريقة المغامر طوراً، ومنهم من تحاشى حديّة مواقفه وتطرف سياساته، ومنهم من رفض بشدّة وعاند مواقفه الثابتة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي وقضايا الدول والشعوب الضعيفة والمستضعفة بشكل عام.
ورغم كل ذلك، يبقى الرئيس ترامب الحاكم الذي يصعب التنبؤ بقراراته ومواقفه، وهذا بحد ذاته يشكل ربما في لحظة سياسية معينة فرصة لتعزيز مصالحنا العربية ودعم مواقفنا وتحسين ظروف قضايانا، وإن كان ذلك ليس بالسهولة المتوقعة في ظل وجود دولة عميقة تدير السياسات الأميركية الثابتة ووجود مجاميع ضغط وأصحاب مصالح مناهضة لكثير من القضايا التي تهمّنا كوقف العدوان على غزّة ولبنان مثلاً، وحقنا في استغلال ثرواتنا دون تدخل ولا ضغط ولا مساومة.
ثوابت ترامب في السياسة الخارجية وتوجهاته تجاه المنطقة
بشكل عام، يتبنى الرئيس ترامب سياسة خارجية ترتكز على شعار «أميركا أولاً» من خلال التركيز على المصالح الاقتصادية المباشرة وتجنب الانخراط العسكري في الخارج، وعليه فقد ركز خلال ولايته الأولى على العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربي كمحور أساسي في استراتيجيته لمواجهة النفوذ الإيراني، في حين ضغط بشدة على طهران عبر سياسة «الضغوط القصوى».
بالمقابل تبنى نهجًا يدعم الكيان الصهيوني بشكل غير مشروط، اعترف من خلاله بالقدس «عاصمة لإسرائيل» والجولان كجزء من أراضي الكيان الغاصب، متجاوزًا الموقف العربي والحقوق الفلسطينية بشكل خاص بوصف ذلك غير متناغم مع قناعاته وغير مؤثر من وجهة نظره في تحقيق مصالحه المباشرة، لذلك، فإن عودة ترامب قد تعني استمرار هذا النهج، مع تفضيله لتوطيد العلاقات مع الدول التي تؤمّن صفقات اقتصادية مربحة وتضمن دعم مواقفه في مواجهة الدول التي يناصبها الخصومة أو العداء.
موقفه من النزاعات الدامية في الشرق الأوسط
لم تكن النزاعات الدامية في سورية واليمن والعراق ضمن أولويات ترامب خلال ولايته السابقة، إذ فضّل تجنب التدخل العسكري المباشر وتركيز الموارد الأميركية على الاقتصاد الداخلي، لكن الوضع في غزّة ولبنان مختلف هذه المرة وتحكمه عدة اعتبارات من أبرزها: أن التعامل مع إيران لا يمكن فصله عمّا يحدث في الميدان، وأن الموقف من حمّام الدم المستمر في الشرق الأوسط كان في صلب ملفات ووعود المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مما قد يعقد معه الأمل على تنفيذ الرئيس ترامب لوعده المعلن بالعمل على وقف الحرب فور فوزه بالانتخابات، بصرف النظر عن عدم وضوح الفاتورة، وغموض الطريقة التي سينتهي بها العدوان!
فانطلاقاً من الموقف الحازم لترامب تجاه حزب الله وإيران واتجاه كل ما يدور في فلك هذا المحور، فقد يخشى من تصعيد أكبر- ولو لأشهر قليلة- في غزّة ولبنان الى أن ينتهي الأمر بإعلان تحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية لكل من نتنياهو خاصة ولكيانه عامة، الأمر الذي ستستفيد منه أميركا في كسب بعض أوراق الضغط إقليمياً ودولياً: تجاه الملف النووي الإيراني وللتفاوض مع روسيا التي من المتوقع أن يتعامل معها ترامب في الملف الأوكراني بطريقة أقل حدّية من تعامل الإدارة السابقة وحلف الناتو.
الى جانب ذلك، فإن الرئيس المندفع وغير التقليدي، والذي يحدّه الدستور- الى حد الآن- من تحقيق أي طموح بشغل ولاية أخرى، قد يظهر ميلًا مفاجئاً لتغيير ثوابته في السياسة الخارجية مستنداً الى ما شهدته الظروف السياسية والاقتصادية العالمية من تغيرات كبيرة، مما قد يضعه أمام واجب التكيف مع التوازنات الجديدة وتغيير ديناميكيات العلاقات الدولية والموقف الأميركي من قضايا الشرق الأوسط، وذلك تحت لواء إعطاء الأولوية للملف الصيني والتركيز على إضعاف أو احتواء جموح التنين الأصفر.
ويبقى من المهم التذكير أن العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو ستؤثر حتماً بالسلب أم بالإيجاب على مصير المنطقة والحرب، حيث يمكن أن يلقى رئيس وزراء الكيان دعماً استثنائياً ومستمراً للقضاء على ما كل ما يعتبره تهديداً وجودياً، كحزب الله والملف النووي الإيراني، وبالمقابل قد تساهم هذه العلاقة بتسهيل الضغط على المجرم نتنياهو لإيقاف عدوانه ومجازره مقابل مكاسب سياسية واقتصادية تضمن له وللكيان استمراراً قوياً ووجوداً راسخاً في الأراضي المحتلة، مع العمل الجدّي على تنفيذ خطة التطبيع «الإبراهيمية» التي ربما ستشمل هذه المرّة الجمهورية العربية السورية بطريقة غير معلنة أو ملتبسة تحت عنوان إعادة الإعمار والرجوع الى الحضن العربي والدولي.
كيف يمكن للدول العربية الاستفادة من شخصية ترامب؟
إن التعامل مع ترامب يتطلب من الدول العربية وضع استراتيجيات ذكية تجمع بين المرونة في التفاوض وإبراز الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تحققها الشراكات مع الولايات المتحدة، فترامب يهتم بشكل رئيس بالصفقات الاقتصادية التي تحقق مكاسب ملموسة، ولهذا قد تستفيد الدول التي تتبنى سياسات اقتصادية ديناميكية من توفير فرص استثمارية مباشرة واللعب على تناقضات تنافس الدول الكبرى في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع من الدول التي تتبنى سياسات معلنة تستهدف استقرار المنطقة وتعزيز الحماية من التدخلات الخارجية أن تجد في ترامب شريكاً قوياً، حيث يمكن بناء تحالفات أمنية واقتصادية مع تقديم مبادرات للتعاون وتبادل المعلومات لمكافحة التهديدات.
وتبقى القناعة بارزة بأن تحقيق الاستفادة من سياسة الرئيس ترامب يتطلب تفهماً لطبيعة تفكيره والتكيف مع استراتيجياته المبنية على الوضوح والجرأة لتحقيق مكاسب ملموسة، دون أن ننسى ما يظهره من إعجاب معلن بالقادة الأقوياء وبذوي النفوذ الصارم في بلدانهم ومؤسساتهم، حيث أثر وسيؤثر- ولو جزئياً- إعجابه بكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقاربته للملفات الثنائية والإقليمية والدولية.
* كاتب ومستشار قانوني