بعد عشرين عاماً من مواراة جثمان جده الثرى، اضطر المعماري أحمد المليجي لإخراج رفاته، وعظام وهياكل أخرى تعود لـ23 من أقاربه من مقبرة العائلة في وسط القاهرة، وإعادة دفنهم في الصحراء على بعد 100 كلم جنوب العاصمة.
والمليجي واحد من مصريين كُثر مروا بهذه التجربة المؤلمة بعدما أزالت الحكومة منذ 2020 آلاف القبور في جبانة القاهرة التاريخية، ضمن خطة مستمرة لشق طرق وبناء جسور جديدة لتسهيل حركة المرور الخانقة في العاصمة.
وقال المليجي لوكالة الصحافة الفرنسية اليوم من منزله الراقي في غرب القاهرة «بعدما دفنّاهم قبل سنين طويلة... أخرجناهم وأعدنا دفنهم... يعود المشهد والذكريات في شكل أسوأ بكثير».
وتعدّ الجبانة التي ستزال منها مقبرة عائلة المليجي، من أقدم المقابر في العالم الإسلامي، وتضم مقبرة الإمام الشافعي، أحد الأئمة الأربعة لدى المسلمين السنّة، وقد أدرجتها منظمة اليونسكو على قائمتها للتراث العالمي.
وذكر مسؤول بوزارة التخطيط أنّ الحكومة «تتفهم أحزان المواطنين»، لكنّ العملية برمتها تجري من أجل «المصلحة العامة».
وقدّمت الحكومة المصرية أماكن لمقابر بديلة خارج القاهرة لأصحاب المقابر الذين أثبتوا ملكية مدافنهم بالمستندات الرسمية.
وبالنسبة إلى المليجي، فقد قرر أن يدفن أقاربه في مقبرة حديثة ذات أبواب حديدية اشترتها العائلة في محافظة الفيوم. وبعد أن نقل رفات جده، اضطر لنقل رفات أخرى لأفراد في العائلة كانت في غرفة دفن غارقة بالكامل تحت المياه الجوفية في المقبرة ذاتها في وسط القاهرة.
وروى بحسرة «أحضرنا هذه المرة غطّاسين نزلوا وانتشلوا العظام واحدة تلو الأخرى. الموضوع كان مؤلماً جداً».
ولا تمسّ هذه المأساة الأموات وذويهم فقط، بل أيضاً آلاف حراس المقابر والأسر التي تسكنها. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، يعيش آلاف المصريين في المقابر جراء أزمة السكن في بلد يناهز عدد سكانه 107 ملايين. من بينهم الحارس سيد العربي (71 عاماً) الذي يحرس منذ عقود مقبرة في عين الصيرة في جنوب القاهرة حيث وُلد أبناؤه الثلاثة.
وقال العربي إنه وزوجته مريضان بالقلب، مضيفاً «يريدون توسعة الميادين وبناء جسور وشوارع لكنّ هذا سيؤثر عليّ وعلى حياة الكثيرين هنا... أين سأذهب؟ أنا أعيش هنا منذ 25 عاماً».