لقد كنتُ أحد ضحايا تطبيقات التزييف العميق للصوت والصورة، حينما قام بعض محترفي التزييف بتزوير مقطع فيديو يظهرني وأنا أتحدث بأسلوبي العلمي عن دواء لم أسمع عنه من قبل ولا أمتلك أي معلومات عن مضاره أو فوائده. كان هذا الفيديو المزوّر لشركة أدوية في مصر. ولعل هذا ما دفعني للحديث عن الذكاء الاصطناعي واستخداماته بشكل عام.

تطبيق «جروك»، الذي تصدّر عناوين الصحف ووكالات الأنباء في الفترة الأخيرة، هو تقنية ذكاء اصطناعي طورتها شركة إيلون ماسك. يتميز هذا التطبيق بقدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بسرعة ودقة تتجاوز قدرات الأطباء. دعوة ماسك للأشخاص العاديين لاستخدام هذه التقنية لتشخيص الأشعة تمثل خطوة جريئة وغير مسبوقة. فقد تمكن «جروك» من اكتشاف الأورام والكسور بدقة عالية وسرعة تفوق البشر بمراحل، مع القدرة على اكتشاف السرطانات في الصور الطبية قبل أن يلاحظها الأطباء بأشهر أو حتى سنوات، كما في سرطان الثدي. ويمكن استخدام هذه التقنية في المناطق النائية والمحرومة من الرعاية الطبية.

Ad

لكن من المهم أن نؤكد أن مثل هذه التقنيات، على الرغم من قدراتها المذهلة، لا يمكن قبولها دون دراسات طبية معمقة تستند إلى البراهين. يجب أن نتساءل: هل يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الطبية الحرجة؟ الذكاء الاصطناعي يعني تطوير الأنظمة والبرامج التي تحاكي قدرات العقل البشري في الاستنتاج، والحلول، والإبداع، بل وتفوقه في أحيان كثيرة. لقد شهدنا طفرة في البرامج اللغوية التوليدية الضخمة التي تعتمد على تعلم الآلة، مثل شات جي بي تي، وجيميناي، وجروك.

تؤكد المؤسسات الدولية ومنظمة الصحة العالمية أن الذكاء الاصطناعي يمثل قفزة طبية هائلة. فهو يمكّن من تطوير الأنظمة والبرامج الصحية التي تحاكي قدرات العقل البشري. الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على الكشف المبكر عن الأورام السرطانية، وتشخيص الأمراض المزمنة المنتشرة كالسكري، وأمراض القلب، والضغط. هذا مهم جداً في التشخيص الدقيق للأشعة، الرنين المغناطيسي، الفحوصات المختبرية، والأمراض الجلدية التي أصبح تشخيصها فائق الدقة.

أعلنت وزارة الصحة في الكويت عن تحولها الرقمي واعتمادها على الذكاء الاصطناعي في كافة خدماتها. لكن الواقع العملي يكشف عن فجوة كبيرة بين التصريحات والتطبيق الفعلي. لا يزال المواطن والمراجع يشعران بتعقيد الإجراءات الإدارية. المعاملات الإدارية لا تزال معقدة بشكل ملحوظ في كافة أجهزة الوزارة، وخاصة في التعامل مع القطاع الخاص. رغم وعود التحول الرقمي، لا نزال نحتاج إلى أكثر من سنة للحصول على ترخيص مركز طبي، بينما في الإمارات يُنجز هذا في أسبوع واحد فقط. إن الفوائد الملموسة ما زالت بعيدة عن المتناول.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً محورياً في عدة مجالات، منها التشخيص الطبي المبكر والدقيق باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبية والمساعدة في التشخيص المبكر للأمراض. كما يمكن توفير استشارات طبية للمرضى في المناطق النائية أو لأولئك الذين يصعب عليهم الوصول إلى المرافق الطبية. في مجال إدارة الأدوية والمستلزمات الطبية، يمكن تحسين إدارة المخزون الطبي وتقليل الهدر من خلال التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية. يكفي أن نعلم أن الأدوية المنتهية الصلاحية تجاوزت قيمتها الستين مليون دينار. أما متابعة الأمراض المزمنة، فتتم عبر الأجهزة القابلة للارتداء، التي يمكنها متابعة الحالات المزمنة بشكل مستمر وتنبيه الأطباء عند الضرورة، خاصة كبار السن في منازلهم. في العمليات الجراحية، يمكن تحسين دقة التدخلات من خلال الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

مع كل هذه الفوائد، تبرز مخاطر أخلاقية كبرى. قادة العالم يتساءلون: هل الذكاء الاصطناعي أخطر من القنبلة النووية؟ وقد أشار إيلون ماسك والأمين العام للأمم المتحدة إلى أن مخاطره قد تتجاوز القنابل النووية إذا لم يتم التحكم فيه مبكراً. من أبرز هذه المخاطر، التزييف العميق الذي يمكن أن يُستخدم لتزوير الحقائق، والتأثير على الرأي العام، ونشر الشائعات. هذا يمكن أن يهدد القيم الأخلاقية والصحة العامة والأمن.

في هذا السياق، عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية مؤتمرها الدولي برعاية كريمة من صاحب السمو الأمير حفظه الله حيث نجح المؤتمر في وضع «وثيقة الكويت للذكاء الاصطناعي». تهدف هذه الوثيقة إلى وضع إطار أخلاقي عالمي لتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو خدمة البشرية، وضمان ألا يتحول إلى أداة تهدد القيم الأخلاقية.

إضافةً إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً مهماً في تعزيز كفاءة الإنفاق الصحي. من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المالية والمصرفات الصحية، يمكن تحسين آليات الرقابة على المصروفات والتأكد من توزيع الموارد بشكل فعّال ومناسب. تُظهر الدراسات أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحديد الأنماط غير المرغوبة في الإنفاق وكشف أي إسراف محتمل، مما يساعد في توجيه الأموال نحو المشاريع التي تخدم المرضى بشكل أفضل وتقلل من الهدر. هذه الجهود تُسهم في تحقيق توازن بين تحقيق الخدمات الصحية وتوفير تكاليفها.

يتوجب على وزارة الصحة أن تستثمر في تأهيل الكوادر الوطنية وتشجيع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. يجب أن تضع استراتيجية واضحة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع إشراك كافة الأطراف المعنية لضمان التنفيذ الفعلي. كما يجب أن تصبح الدورات التدريبية في الذكاء الاصطناعي شرطاً لتولي المناصب القيادية في المؤسسات الصحية.

ختاماً، الذكاء الاصطناعي سيغير ملامح سوق العمل المستقبلية. علينا أن نستعد لمستقبل مشرق من خلال تطوير مهاراتنا واللحاق بركب التقدم قبل أن يفوت الأوان.

* وزير الصحة الأسبق