قررت القمة العربية الإسلامية الطارئة بالرياض، اليوم الإثنين، إنشاء آلية تنسيق مشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والإتحاد الإفريقي لتعزيز مكانة القضية الفلسطينية، وترجمة قرارات القمم العربية والإسلامية والإفريقية بشأن دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وأكدت القمة أن «إسرائيل وكل دول المنطقة لن تنعم بالأمن والسلام ما لم ينعم به الشعب الفلسطيني ويسترد كامل حقوقه المسلوبة».
وطالبت القمة «مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان، واعتبار التقاعس عن ذلك تواطئاً يُتيح لإسرائيل الاستمرار في عدوانها الذي يقتل الأبرياء أطفالاً وشيوخاً ونساءً ويُحيل غزة خراباً».
وجاءت القمة «امتداداً للقمّة العربية - الإسلامية المشتركة التي عُقدت في الرياض في 11 نوفمبر 2023» بمبادرة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وعُقدت القمّة بهدف «بحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان وتطورات الأوضاع في المنطقة».
وفي كلمته الافتتاحية للقمة، طالب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية، مؤكداً أهمية مواصلة الجهود المشتركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، داعياً المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل باحترام سيادة إيران والامتناع عن مهاجمة أراضيها.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن هذه القمة تنعقد امتداداً للقمة المشتركة السابقة التي عُقدت في عام 2023 في ظل استمرار اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الآثمة على الشعب الفلسطيني واتساع نطاق اعتداءات الاحتلال على الجمهورية اللبنانية.
وجدد إدانة المملكة العربية السعودية ورفضها القاطع «الإبادة الجماعية» التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني «وراح ضحاياها أكثر من 150 ألفاً من الشهداء والمصابين والمفقودين معظمهم من النساء والأطفال».
وأكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه ضد الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى المبارك والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإحلال السلام بالمنطقة.
وأضاف أن المملكة تشجب منع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» من الأعمال الإغاثية في الأراضي الفلسطينية وإعاقة عمل منظمات إنسانية من تقديم المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطيني.
وأعرب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي عن إدانته العميقة العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت الأراضي اللبنانية ورفضه تهديد أمن لبنان واستقراره وانتهاك سلامته الإقليمية وتهجير مواطنيه.
وأكد وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية لعدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، داعياً المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين بالإيقاف الفوري لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الأشقاء في فلسطين ولبنان وإلزام الاحتلال باحترام سيادة إيران وعدم الاعتداء على أراضيها.
وقال «لقد اتخذت دولنا خطوات مهمة» عبر تحرك مشترك على الصعيد الدولي لإدانة عدوان الاحتلال الإسرائيلي الآثم وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية «ونجحنا في حث مزيد من الدول المحبة للسلام على الاعتراف بدولة فلسطين وحشدنا للاجتماع الدولي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الذي عبّر عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة للأمم المتحدة».
وطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع على الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والنرويج الذي استضافت السعودية اجتماعه الأول مؤخراً، داعياً بقية الدول إلى الانضمام لهذا التحالف.
وأكد من هذا المنطلق أهمية مواصلة الجهود المشتركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب ضرورة المحافظة على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
إنهاء الجرائم
ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الدول العربية والإسلامية إلى مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة بتعليق عضوية الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة ما لم يلتزم بالقانون الدولي وبتعهداته الموثقة وينهي جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
وقال الرئيس عباس في كلمة خلال أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية بالرياض إن «الواجب العربي والإسلامي يفرض علينا أن نتحلى بأعلى درجات التضامن والتعاون في ظل فشل المجتمع الدولي بإيقاف العدوان وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني منذ أكثر من عام».
وأضاف أن «جرائم الاحتلال تتطلب منا جميعا العمل على تحقيق تنفيذ قرار مجلس الأمن 2735 القاضي» بإيقاف العدوان وتأمين وصول الاحتياجات الإنسانية وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة ورفض مخططات فصله عن الضفة الغربية «وتولي دولة فلسطين مسؤولياتها السيادية».
وطالب بدعوة دول العالم لمراجعة علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي وعدم تطبيع علاقاتها معه أمام عدم التزامه بالقانون الدولي وارتكاب الإبادة الجماعية واستهداف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» وتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يُطالب الدول بفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي وتحديد العلاقات معه كما يُطالبه بإنهاء الاحتلال وإيقاف الاستيطان خلال عام واحد وفقاً لفتوى محكمة العدل الدولية.
وأكد عباس كذلك أهمية حماية القدس ودعم صمود أهلها ومنع المساس بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، مشدداً على ضرورة دعم التحالف الدولي لتجسيد دولة فلسطين وحصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
كما دعا إلى تطبيق مبادرة السلام العربية ومواصلة حشد الدعم الدولي لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وحماية وحدته الوطنية، مشيراً إلى أهمية الضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن الأموال الفلسطينية وتوفير شبكة أمان مالية.
وشدد عباس على حماية وتعزيز عمل «أونروا» وتمكينها من مواصلة مهامها في فلسطين، مؤكداً أن العمل جار لوضع آليات لإدارة قطاع غزة تحت ولاية دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وثمّن عباس جهود السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان في دعم الشعب الفلسطيني وتحقيق الاستقرار والسلام واستضافة هذه القمة، مشيداً بمواقف القادة العرب والإسلاميين الداعمة للقضية الفلسطينية.
تصفية القضية
من جانبه، أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، إدانة بلاده «بشكل قاطع، حملة القتل الممنهج، التى تُمارس بحق المدنيين فى قطاع غزة».
وقال السيسي في كلمته «باسم مصر، أعلنها صراحة: إننا سنقف ضد جميع المخططات، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواءً عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسرياً، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة.. وهو أمر، لن نقبل به تحت أي ظرف من الظروف».
وأضاف «نقولها بمنتهى الصراحة إن مستقبل المنطقة والعالم، أصبح على مفترق طرق، وما يحدث من عدوان غير مقبول على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، يضع النظام الدولي بأسره على المحك».
وأكد الرئيس المصري على أن «الشرط الضروري لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمي، جوهره الصراع والعداء.. إلى آخر، يقوم على السلام والتنمية.. هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
وقال «إن مصر ملتزمة بشكل كامل، بتقديم العون للأشقاء في لبنان، دعماً لصمود مؤسسات الدولة اللبنانية، وفى مقدمتها الجيش اللبناني.. وسعياً لوقف العدوان والتدمير، الذي يتعرض له الشعب اللبناني الشقيق.. وتكثيفاً للجهود الرامية للوقف الفوري لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل وغير الانتقائي، لقرار مجلس الأمن رقم 1701».
جسر إنساني
بدوره، دعا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني اليوم الاثنين إلى إطلاق جسر إنساني لإيصال المساعدات الطارئة إلى قطاع غزة، مؤكداً ضرورة وجود تحرك فوري لإنهاء عدوان الاحتلال الإسرائيلي وما يُسببه من قتل ودمار وتصعيد في المنطقة.
وقال الملك عبدالله الثاني في كلمة خلال أعمال القمة إن الاحتلال الإسرائيلي يشن حربه على قطاع غزة منذ أكثر من عام واصفاً إيّاه بأنه «عام من الدمار وقتل الأبرياء وخرق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية».
وأضاف أن المجتمع الدولي لم يوقف الاحتلال الإسرائيلي فتمادى في تصعيده على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وأشعل حرباً على لبنان.
وشدد على ضرورة أن تتوقف هذه الحروب فوراً لحماية الأبرياء وإنهاء الدمار ومنع دفع المنطقة نحو حرب شاملة «سيدفع الجميع ثمنها».
ودعا الملك عبدالله الثاني إلى كسر الحصار على سكان غزة «لإنهاء الكارثة الإنسانية» في القطاع إلى جانب إيقاف التصعيد في الضفة الغربية والاعتداءات على الأماكن المقدسة «التي تضعف فرص السلام وتُهدد أمن المنطقة كلها».
كما أكد في الوقت نفسه أهمية دعم سيادة لبنان وأمنه وإيقاف الحرب عليه وتوفير كل ما يحتاجه الشعب اللبناني من مساعدات.
وأشار العاهل الأردني كذلك إلى ضرورة إيجاد أفق سياسي حقيقي لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين واصفاً إيّاه بأنه «هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار والأمن في المنطقة».
وأكد أن على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً حازماً لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة والتوصل لإيقاف فوري لإطلاق النار، مشيراً إلى ضرورة التحرك الفوري لإنهاء العدوان وما يُسببه من قتل ودمار وتصعيد في المنطقة.
كما دعا الدول الشقيقة والصديقة إلى المشاركة في إطلاق جسر إنساني لإيصال المساعدات الطارئة إلى غزة لإيقاف الحرب عليهم ورفع الظلم عنهم وعن سكان الضفة الغربية وتلبية حقهم في الحرية «لتستعيد منطقتنا أمنها وتحقق السلام العادل الذي تستحقه».
عجز الدول الإسلامية
من جهته، أرجع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحالة الصعبة التي آلت إليها الأوضاع في غزة إلى عجز الدول الإسلامية، على عكس دول غربية تقدم إلى إسرائيل سائر أنواع الدعم.
وأشار الرئيس التركي إلى «استشهاد 50 ألف فلسطيني حتى الآن، 70% منهم أطفال ونساء، في مجازر إسرائيل بغزة وبقية الأراضي الفلسطينية»، وتابع «بينما تقدم حفنة من الدول الغربية كل أنواع الدعم لإسرائيل تعجز الدول الإسلامية عن إبداء رد فعل ما أدى إلى وصول الوضع في غزة لهذا المستوى».
وأكد استعداد تركيا لتنفيذ كل المقترحات الملموسة والواقعية «التي من شأنها أن تجعل حكومة نتنياهو تشعر بأن احتلال الأراضي الفلسطينية له تكلفة»، وأردف «علينا تشجيع أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية».
وأشار أردوغان إلى إرسال تركيا أكثر من 84 ألف طن من المساعدات إلى غزة حتى الآن، وأعرب عن استعدادها لإرسال المزيد عندما تزول العوائق، ولفت إلى أن «إسرائيل لا تطيق حتى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وتترك المساعدات المرسلة تنتظر في مصر منذ أشهر».
وقف المجازر
في السياق، أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن «الأولوية حالياً لوقف المجازر ووقف الإبادة ووقف التطهير العرقي».
وقال الأسد في كلمته «لن أتحدث عن حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة وحتمية التمسك بها أو واجبنا تجاه دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني وشرعية المقاومة في كلا البلدين، ولا عن نازية الاحتلال الإسرائيلي، فهذا لن يضيف شيئاً لما يعرفه الكثيرون في العالم».
وأضاف قائلاً «منذ عام والجريمة مستمرة، وفي العام الماضي أكدنا على ضرورة وقف العدوان، وكانت حصيلة السنة المزيد من الشهداء والمهجرين في فلسطين ولبنان».
وأشار إلى أننا «نُقدّم السلام فنحصد الدماء، وتغيير النتائج يستدعي استبدال الآليات والأدوات»، وتساءل قائلاً «ما قيمة حقوق الشعب الفلسطيني بمجملها إذا لم يمتلك الفلسطينيون أساسها وهو حق الحياة؟».
وذكر الرئيس السوري «علينا تحديد خياراتنا.. هل ندين أو نقاطع أو نناشد المجتمع الدولي.. ما هي خطتنا التنفيذية.. نحن لا نتعامل مع دولة بل مع كيان استعماري.. لا نتعامل مع شعب بل مع قطعان مستوطنين أقرب إلى الهمجية»، مشيراً إلى أن «المشكلة تحدد الوسيلة.. والوسيلة أساس النجاح، وهنا جوهر اجتماعنا اليوم الذي أرجو أن يكون ناجحاً ونوفق باتخاذ القرارات الصائبة».
أزمة تاريخية
وأكد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أمام القمة أن «أزمة تاريخية مصيرية غير مسبوقة» تعصف ببلاده حيث بدأت إسرائيل منتصفسبتمبر الماضي حملة عسكرية مكثفة ضد حزب الله.
وقال ميقاتي إنه «لا يجوز ولا يُمكن أن تستمر اسرائيل في عدوانها المتمادي على لبنان وشعبه، وانتهاك سيادته وتهديد علة وجوده من دون حسيب أو رقيب».
وشدد رئيس الوزراء اللبناني على أن «الأساس يبقى وقف العدوان المستمر على لبنان فورا واعلان وقف إطلاق النار مع تأكيد التزام الحكومة اللبنانية الثابت والراسخ بالقرار الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته».
ولفت أيضاً إلى «تعزيز انتشار الجيش في الجنوب وبالتعاون الوثيق مع القوات الدولية لحفظ السلام، والعمل على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الحدود المعترف بها دولياً».
ويُكرر لبنان على لسان مسؤوليه تمسكه بتطبيق القرار 1701 واستعداده لفرض سيادته على كامل أراضيه فور التوصل الى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل.وأرسى القرار 1701 وقفاً للأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب الله بعد حرب مدمّرة خاضاها في صيف 2006.
وينصّ القرار كذلك على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «يونيفيل» وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.
وإذ طالب المجتمع الدولي بمواصلة إرسال المساعدات إلى لبنان، دعا ميقاتي إلى «الامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية عبر دعم هذه الفئة أو تلك، بل دعم لبنان الدولة والكيان».