أثارت التعيينات الأخيرة للرئيس الأميركي المنتخب صدمة، ليس فقط في صفوف خصومه الذين كانوا يتخوفون من سيناريوهات مماثلة، بل أيضاً في صفوف بعض المؤيدين له، في وقت اتجهت الأنظار إلى اللقاء بين ترامب والرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، حيث سيتعهد الرئيس الديموقراطي بعملية انتقال سلسة للسلطة.
وأفادت وسائل الإعلام الأميركية بأن زوجة ترامب ميلانيا رفضت دعوة من زوجة بايدن جيل، بسبب «تفتيش منزلها» خلال البحث عن وثائق سرية احتفظ بها ترامب.
ويُنظر إلى الزيارة على أنها نكسة للرئيس الديموقراطي الذي يعلم أن جزءاً كبيراً من سجله السياسي قد يتبدّد على يد الفريق الذي يشكّله منافسه ويضمّ أسماء تتسّم بطابع راديكالي في مواقع بارزة.
وبالنسبة لدونالد ترامب، سيكون اللقاء مع جو بايدن بمنزلة ردّ اعتبار بعد هزيمة عام 2020.
فقد أُغلق باب البيت الأبيض أمامه في 20 يناير 2021، قبل ساعات قليلة من دخول جو بايدن إليه، من دون أن يحضر حتى حفل تنصيب منافسه الأكبر.
ولم ينظّم ترامب زيارة المجاملة هذه بين الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب، في أحد سلوكيات كثيرة كسر فيها السبعيني الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته العادات المعمول بها في واشنطن منذ عقود.
وقبل اللقاء ألمح ترامب إلى نيته الترشح لولاية ثالثة رغم أن التعديل 22 في الدستور يحظر ذلك.
يوم آخر من الجنون
في غضون ذلك، تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» عن «يوم آخر من الجنون»، بعد إعلان ترامب إسناد وزارة «كفاءة الحكومة» الجديدة، لملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك «العظيم»، بالاشتراك مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، الذي ترشح للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، مثيراً مخاوف من تضارب المصالح، وكذلك إحداث ضرر بالغ بعمل الحكومة الفدرالية، بعد أن أكد ترامب أن مهمة «هذين الأميركيين الرائعين» ستكون «تفكيك البيروقراطية، وتقليص القواعد التنظيمية المفرطة، وخفض الإنفاق، وإعادة هيكلة الوكالات الفدرالية».
وأوضح ماسك أن نشاط الوزارة سيدرج عبر الإنترنت «من أجل شفافية مطلقة»، متعهداً بنشر «قائمة بالنفقات حتى السخيفة منها»، لكنه قد يعمد إلى إجراء اقتطاعات جذرية في الميزانية الفدرالية، ما يهدد آلاف الوظائف بالخدمة المدنية، فيما يثير تعيينه «أسئلة حول تضارب المصالح»، خصوصاً أنه «يستفيد من عقود حكومية مربحة»، حسبما ذكرت شبكة «سي إن إن».
وبحسب العضو الجمهوري في الكونغرس مايك جونسون، سيزور الرئيس المنتخب أيضاً الكابيتول، وهو المبنى الذي اقتحمه أنصاره في 6 يناير 2021 لمحاولة منع التصديق على انتخاب جو بايدن. وسيلتقي ترامب مع أعضاء الكونغرس الجمهوريين بمرافقة ماسك الذي لعبت منصة «إكس» التي يملكها دوراً بارزاً في الترويج لترامب بعد أن تحول الملياردير المثير للجدل الى أحد أبرز الناشطين اليمينيين في واشنطن.
صدمة في البنتاغون
إلا أن الصدمة الأشد وقعاً لم تكن بتعيين ماسك الذي كان متداولاً، بل بترشيح المذيع والمقدم في قناة «فوكس نيوز» بيت هيغسيث لقيادة وزارة الدفاع، فيما يفتقر الرجل إلى أي خبرة في شؤون الدفاع باستثناء خدمته العسكرية في العراق وأفغانستان. وقالت صحيفة «بوليتكيو» الأميركية، إن هيغسيث ترك الجيش بعد أن اتهمته المؤسسة العسكرية «التي لم تعد تريده» بأنه «متطرف».
ووصف ترامب في بيان هيغسيث بأنه « قوي وذكي ويؤيد بشدة أميركا أولاً. مع وجود بيت على رأس القيادة، جيشنا سيصبح عظيماً مرة أخرى، وأميركا لن تنهزم أبداً».
وقد يفي هيغسيث بوعد ترامب بالتخلص من جنرالات يتهمهم بمعارضته، لكن تعيينه ينذر بصِدام مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي.كيو براون، الذي اتهمه هيغسيث «بتبني مواقف يسارية متطرفة».
وهيغسيث له مواقف محافظة جدلية مثل رفض خدمة النساء في مواقع قتالية، وهو من المشككين في حلف الناتو. غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» استبعدت أن يوافق مجلس الشيوخ عليه حتى مع وجود أغلبية جمهورية لأنه يواجه معارضة قوية من كبار المسؤولين العسكريين ومن أعضاء الكونغرس الذين خدموا بالجيش بسبب تبنيه لقصص الجنود الذين تصادموا مع قواعد العدالة العسكرية.
وكانت تقارير أفادت بأن جنرالات البنتاغون بدأوا بالفعل مباحثات للاستعداد لكيفية التعامل مع تعهد ترامب «بتطهير» المؤسسة التي تعتبر أكبر بيروقراطية في العالم.
قس مؤيد للضم
وأعلن ترامب أيضاً أنه سيرشح حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هوكابي، وهو قس معمداني سابق يدعم الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، والمسؤول المنتخب السابق المحافظ المتشدد جون راتكليف على رأس وكالة المخابرات المركزية. وفي أحد أول التصريحات له بعد تعيينه قال هاكابي، إنه يتوقع أن يؤيد ترامب سعي اليمين الإسرائيلي المتشدد لضم الضفة الغربية الفلسطينية.
ونقلت «واشنطن بوست» عن أحد المقربين منه قوله، إن «هناك جواً عاماً من الفوضى»، مشيرة إلى أن جهود بعض المحيطين بترامب فشلت في «ثنيه عن اختيار كريستي نويم على رأس وزارة الأمن الداخلي، التي تبلغ ميزانيتها 60 مليار دولار وتضم أكثر من 230 ألف موظف».
وصرّح أحد مستشاري ترامب للصحيفة «ماذا تعرف (نويم) عن الأمن الداخلي؟ إنها حاكمة ولاية ساوث داكوتا!»، لكن الرئيس الجمهوري تولى هذه المرة، على عكس ولايته الأولى في 2016، زمام المبادرة من خلال «إجراء تعيينات رئيسية ومبكرة داخل إدارته وإغراق البيت الأبيض بموالين أوفياء مستعدين لتنفيذ برنامجه من دون معارضة»، وفق ما تحلل مجلة «رولينغ ستون» اليسارية الأميركية.