مرافعة: المحاماة... لا تميز من دون شقاء!
التميز في مهنة المحاماة ليس بالأمر السهل أو البسيط بل هو أشبه بالتحدي المليء بالمصاعب الكبيرة والشاقة، في ظل ارتفاع أعداد المنتسبين للمهنة، وكفاءة العاملين فيها من مختلف مدارس القانون، وهو الأمر الذي يستلزم من المحامي العمل على زيادة كفاءته وتحصيله القانوني والإلمام بمهام المهنة وتعاليمها وميثاق شرفها حتى يكون رقماً مهماً فيها.
والمحاماة، حسبما تعرفت عليها وفهمت تقاليدها بعد سنوات من العمل تجاوزت الـ 23 عاماً، أراها من المهن الذهنية والعملية معاً وتتطلب من العاملين فيها من ذوي الخبرة أن يضعوا الأفكار والرؤى والتصورات ثم يعمدوا لتنفيذها وصولاً إلى تحقيق النتائج التي تعود بالنفع على عملائهم.
ومثل تلك التصورات والرؤى يجب أن تكون مدروسة، ومتوافقة مع القواعد المشروعة حتى لا تكون فيما بعد عبئاً على المحامي أو موكله، كما أن العمل على إدخال تلك الرؤى حيز التنفيذ يجب أن يكون هو الآخر محاطاً بالدقة والحذر يؤديه من هم على كفاءة ومهنية عالية للوصول إلى حصد النتائج المرجوة.
ولازم ذلك أن يكون المحامي فاحصاً لعين النزاع، وقارئاً لأوراق ومستندات عميله بدقة لا متناهية، وبارعاً في وضع الحلول التي يكونها كأفكار ورؤى وتصورات ثم ينثرها على طاولة النقاش والبحث والعصف الذهني مع فريقه ليستخلص منها الحلول المناسبة التي تواجه عين النزاع ثم يبدأ تنفيذها والسعي إلى تحقيق نتائجها.
ولذلك، فالمحاماة كما أسلفت من المهن الشاقة والمجهدة بدنياً والدقيقة ذهنياً والتي لا تقبل الأخطاء والمغامرات وتستلزم ممن يمارسها أن يمنحها حق الفهم الكامل بكل تعاليمها وتقاليدها حتى تمنحه النجاح المرتقب.
وليس ذلك فحسب، فإدخال الخطط حيز التنفيذ يستدعي من المحامي الحرص والالتزام والانضباط ومتابعة العمل بنفسه والتأكد من جاهزية فريقه، سواء عند حضور جلسات التحقيق أو المحاكمات، كما أن عليه المذاكرة والتدرب على تنفيذ خطة الدفاع أمام المحكمة كما أعد لها مسبقاً، فهو في يوم الدفاع أشبه بالمحارب الذي يخوض مبارزة شرسة ضد خصومه من أجل إقناع المحكمة بسلامة دفاعه ورجاحة دفوعه وسلامة موقف موكله لتحقيق أعلى درجات التألق القانوني.
والمحاماة ليست استسلاماً أو تسليماً بالنتائج التي تحدثها الأحكام القضائية، أيّاً كانت الدرجة القضائية التي أصدرتها، بل تحدياً مستمراً لدى القائم بها بتحقيقه يوماً ما النتائج لمصلحة موكله طالما كان مؤمناً بسلامة موقفه أو بالظلم الذي وقع به، فيعمد إلى تحويل ذلك الألم والأسى الذي يشعر به موكله إلى تحدٍّ ولديه الشعور بمسؤولية رفع الظلم.
ولذلك، فالمحاماة ليست تجارة أو بضاعة تستهدف المضاربة والربح، بل هي في حقيقتها عمل إنساني يمارسه القائم بها وسط شعور بالمسؤولية وإيمان مطلق بأمانة وإخلاص وتفانٍ بالعمل وحفظ لأسرار موكله الذي وثق به.
وجمعاً لما تقدم، فإن التميز في المحاماة كما أسلفت ليس بالأمر الهين أو البسيط، بل هو عمل دؤوب يستدعي من القائم به الجدية والانضباط والالتزام، ويكلفه الكثير من المتاعب النفسية والصحية جراء ما يحصده من نتائج وما يتعرض له موكلوه من أحكام أو تبعات قانونية... لذا كان التميز أمراً شاقاً.