مع حلول الأسبوع الجاري، تكون الحكومة الكويتية التي شُكّلت في 12 مايو الماضي قد أتمت 6 أشهر من عمرها، مما يفتح المجال بشكل أكثر موضوعية لتقييم أعمالها، خصوصا في الجانب المتعلق بالاقتصاد والمالية العامة ومختلف الخدمات الأساسية.

ولعله من المفيد القول إن الحكومة الحالية، بقدر ما تمتلك من صلاحيات واسعة واستثنائية، متمثلة بتولّيها الاختصاصات التشريعية والتنفيذية كافة في البلاد، إلا أن نتائج أعمالها الاقتصادية والمالية لا توازي إطلاقا هذه الصلاحيات الواسعة، خصوصا أن مجلس الوزراء لم يصدر منذ تشكيله أي برنامج عمل حكومي يحدد للدولة سياساتها ومستهدفاتها ودرجة طموحاتها في معالجة التحديات بمختلف القطاعات، بحيث يكون هذا البرنامج هو أساس اجتماعات الحكومة ولجانها وقراراتها وتوصياتها، ومنه يتم تقييم النجاحات أو الإخفاقات وما يترتب عليهما من تقويم للسياسات أو تعديل للإجراءات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غياب برنامج العمل الحكومي اقترن بعدم إقرار خطة التنمية الرابعة (2025 - 2030)، والتي أعدت في الأصل على فرضيات «علاقة التنمية بالاقتصاد المعرفي»، وهي من دون شك فرضيات لا علاقة لها بالاحتياجات الملحّة للاقتصاد الكويتي واختلالاته.

Ad

ويأتي غياب برنامج العمل الحكومي والحاجة الى مراجعة جدية لخطة التنمية لتكون أقرب الى الواقع والاحتياجات الحقيقية مع اتخاذ مجلس الوزراء قرارا يقلّص من كفاءة الرقابة والشفافية في العمل التنفيذي، بعد إصداره سلسلة من المحظورات على أداء وأعمال ديوان المحاسبة تجاه الجهات الحكومية، كمنع الحصول على وثائق الجهات الحكومية، فضلا عن حظر نشر تقارير الديوان للرأي العام، وهذه بيئة عمل تغيب فيها الخطة وتهمل فيها الاستراتيجية وتقلّص من خلالها الرقابة، وقد يكون التفاؤل بتحقيق إنجاز جوهري بها في غير محلّه على الإطلاق.

صحة واحترافية

فمجلس الوزراء الذي كرر انتقادات الحكومات السابقة لمجمل السياسات المالية والاقتصادية في البلاد، أقر بنفسه ومن دون أي ضغوط نفس الميزانية للسنة المالية 2024 - 2025 التي تحتوي الانتقادات نفسها للهدر والتوسع في الإنفاق غير المنضبط أو المستدام، من دون تدخّل إصلاحي، ولو بالمصروفات غير الضرورية، كعلامة على جدية توجهات الإصلاح، بل إن ثمة قرارات صحيحة في مبدئها لم تنفّذ بأسلوب محترف يضمن تحقيقها الأهداف الاقتصادية أو الخدمية المرجوة، مثل وقف العمل بتأمين عافية للمتقاعدين الذي لم يواكبه تطوير لمنظومة المواعيد الطبية وكفاءة الخدمة في النظام الصحي، أو العمل على إعادة تسعير أو تقييم أملاك الدولة وضبط المتاجرة فيها بلا إجراء جوهري يستهدف تحويل هذه الأراضي الى فرص عمل واستثمار للشباب والمبادرين، فضلا عن مقترح دمج الهيئات أو الجهات الحكومية المتشابهة، الذي ركّز على الوفر المالي دون كفاءة الأداء أو الرغبة في تقليص الحجم الضخم من القياديين في القطاع العام، فضلا عن إلحاق جهات اقتصادية، كالجمارك والتحريات المالية، بوزارات غير اقتصادية، كـ «الداخلية» و«العدل»، مما يعكس أزمة في تحويل التوجهات الصحيحة إلى منافع حقيقية.

قضايا ثانوية

بل إن القضايا الثانوية أو غير المهمة أخذت حيزا لافتا من اهتمامات مجلس الوزراء خلال فترة الـ 6 أشهر الماضية على حساب قضايا أكثر أولوية وأهمية، إذ جاء الاهتمام بالإجراءات الإدارية المحدودة كـ «البصمة الثالثة» أو مراجعة المزايا المالية أو الإجازات الدورية في ظل إهمال الانحراف القياسي في سوق العمل، الذي تمثّل في تركّز نحو 84 بالمئة من العمالة الوطنية في القطاع الحكومي، الى جانب الاهتمام غير المفهوم بما يُعرف بـ «الدوام المسائي» لتسهيل معاملات الجهات الحكومية، في ظل رهان معظم دول المنطقة والعالم على التوجه نحو التوسع في تقديم الخدمات الإلكترونية وبكفاءة عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم وجود آلية حكومية واضحة لشرح التوجهات الاستراتيجية لمشاريع الدولة الكبرى، لا سيما في المنطقة الشمالية، وتحديدا ميناء مبارك وما يرتبط به من أعمال واستثمارات، بعد تشغيل العراق ميناء الفاو.

ومع تأكيد أن مشاريع البنية التحتية من إصلاح الشوارع مثلا أو بناء المرافق هي من واجبات أي إدارة عامة، حتى في الدول الفقيرة، فإن هذه المشاريع لا تصنف ضمن سياسات الإصلاح الاقتصادي أو التنمية المستدامة ما لم تحقق أغراضها الأساسية كأن يودي بناء مرفق جامعي الى تطوير كفاءة التعليم أو تشغيل ميناء الى تنويع البيئة التجارية والاستثمارية في البلاد، أو حتى إصلاح الشوارع الى إنشاء مدن جديدة، وهكذا.

أرقام وأوضاع

وتشير بيانات الاقتصاد الكويتي، وحتى العالمي، الى أن ثمّة أرقاما غير مشجعة وأوضاعا ليست مبشّرة، ومنها أن النمو الاقتصادي للبلاد سجّل تراجعا في الربع الأول من العام الحالي بواقع 3.7 و1.5 بالمئة في الربع الثاني (لم تصدر بيانات الربع الثالث) وما تستقطبه الكويت من حجم استثمار أجنبي لا يصل حتى الى 1 بالمئة مما تستقطبه دول الخليج الأخرى سنويا، فضلا عن أن توقعات أسواق النفط التي يستهدف الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب رفع إنتاجها لخفض الأسعار، فيما تشير، حسب توقعات منظمة أوبك هذا الأسبوع، الى خفض محتمل لنمو الطلب العالمي على النفط لعامَي 2024 و2025 في رابع تعديل بالخفض من جانب «أوبك» على التوالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجموعة أوبك بلس مددت لمرتين فترات الخفض الطوعي للإنتاج من أكتوبر الماضي الى يناير 2025، بمعنى آخر ضخ 2.2 مليون برميل يوميا في الأسواق من المقرر أن تبدأ إضافتها للسوق بشكل تدريجي خلال العام المقبل، مما يعني أن الكويت التي تعدّ الأكثر اعتماداً على النفط بالعالم بما يتجاوز 90 بالمئة من إيراداتها السنوية هي الأقل اكتراثاً بانخفاض أسعاره، حتى ولو كان الخطاب الاقتصادي يتحدث عن تنويع الإيرادات أو تحفيز الاستثمارات.

تحديات وإدارة

أكبر تحديات الكويت تتركز في نوعية بسيطة من القضايا، كانحراف سوق العمل أو ضآلة تنوّع إيرادات المالية العامة أو الاختلال في التركيبة السكانية، فضلا عن محدودية حجم الناتج المحلي الإجمالي وشبه أحادية مكوناته، وهي تحديات لا تصنّف كأزمات اقتصادية معقّدة عندما نقارنها بتلك التي تواجه بعض الدول، مثل ندرة الموارد، أو ارتفاع مستويات الديون، أو محدودية النقد الأجنبي، أو حتى الانفجار السكاني، وبالتالي فإننا أمام مشكلات بسيطة تتحول الى أزمات بسبب ضعف جودة الإدارة الحكومية الممثلة بمجلس الوزراء، حتى وإن توسعت الصلاحيات لتضيف الاختصاصات التشريعية الى جانب التنفيذية، فالنتائج الأولية خلال أول 6 أشهر من عمر الحكومة لا تشير لا الى عائد اقتصادي، ولا الى توجُّه واضح.