انتشر تسجيل صوتي لشخص ذكر اسمه فيه يطالب مجلس الوزراء بالقضاء على الفساد في بعض أمور البلاد، وذكر من بينها فساد القضاء، وأعتقد أن كلامه هذا يشكل جريمة من جهتين، الأولى أنه أساء إلى سمعة القضاء الكويتي بأكمله ورجاله بقوله «فساد القضاء» أكثر من مرة على الملأ في وسيلة إعلامية تصل للجميع، وهذه مخالفة للفقرة 2 من المادة 21 من قانون المطبوعات والنشر التي حظرت «إهانة أو تحقير رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة، أو ما يعد مساساً بنزاهة القضاء وحياديته».
والثانية، أنه قال إن مجلس الوزراء معني بالفساد، وذكر منه فساد القضاء، وهذا القول يناقض استقلال القضاء الذي كافح من أجل إقراره مجلسا 85 و92 حتى رأى النور، بفضل الله، فليس لمجلس الوزراء سلطة على القضاء إلا مجرد طلب الوزير إحالة أي شكوى ضد أي أحد من رجال القضاء إلى الجهة القضائية المختصة.
فمن المعروف أنه لا يجوز لهذا الشخص ولا لغيره أن يوصم القضاء الكويتي بالفساد، وكان عليه إذا كانت عنده أي معلومة فساد عن أحد رجال القضاء أو أكثر أن يقدمها إلى الجهات القضائية مع الأدلة حتى يتم دراستها ومحاكمة المسؤول عنها إن صحت، فالقضاء هو الجهة المختصة والوحيدة بنظر أي اتهامات لأعضائه ومحاكمتهم حسب المادة 40 وما تلاها من قانون تنظيم القضاء، وهو الطريق القانوني السليم الذي يحفظ للقضاء شرفه ومكانته، وليس التعميم الإعلامي الذي يوهم الناس بفساد هذا المرفق الحساس بأكمله، حيث نص الدستور في المادة 162 على «شرف القضاء نزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان الحقوق والحريات»، فلمصلحة مَن يتم خدش شرف هذا المرفق بكلام مرسل؟
ويؤكد على استقلال القضاء نص الدستور في المادة 163 على أنه «لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل»، وأكدت هذا النص المادة 23 من قانون تنظيم القضاء بالنص على أن «القضاة وأعضاء النيابة عدا من هم في درجة وكيل نيابة ج غير قابلين للعزل إلا وفقاً لإجراءات المحاكمة التأديبية المنصوص عليها في هذا القانون»، كما بينت المادة 60 أنه ليس لوزير العدل أي سلطة على النيابة في الاختصاص المتعلق بأي شأن من شؤون الدعوى الجزائية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بتحريك هذه الدعوى ومباشرتها وتحقيقيها والتصرف والادعاء فيها.
ومن حسن الحظ أن يتم تعيين وزير العدل الجديد من رجال القضاء، وهو يعلم بالتأكيد أهمية استقلال القضاء وحماية سمعته ومكانته من أي تجريح، دون إهمال أو تراخٍ في بحث أي شكوى أو اتهام جاد لأي من أعضائه بالعدل التام الذي يليق بتاريخه.