بقايا خيال: حكومة الكويت خالية من القياديين!!
عندما تقلد سمو الشيخ أحمد النواف الصباح منصب رئيس الوزراء، بدأ أعماله الإصلاحية بتفقده شخصياً أحوال المراجعين ميدانياً، ومحاولة تلبية احتياجاتهم، فكال له الكويتيون المديح لاطلاعه المباشر على أحوال المواطنين، وهو أسلوب افتقدناه منذ زمن بعيد حينما كان يقوم بهذه المهمة رئيس قسم في أي وزارة من وزارات الخدمات، وليس رئيس وزراء، ثم هدأت عاصفة الحكومة الإصلاحية، ليكتشف الكويتيون أن مسألة تفقد أحوال المراجعين مهملة منذ أن دخل مظليون سماء البحث عن مناصب مجانية، بعد أن كان الحصول على أي منصب مهما كان وضيعاً يتطلب الخبرة والكفاءة العلمية والعملية إضافة إلى إنجازات ميدانية، وإذا كان رجال الزمن الجميل يرون في وظيفة «رئيس قسم» منصباً يستحق العناء و«الواسطة»، فقد ارتفع اليوم سقف طلاب المناصب المجانية، فبات كل متنفذ يتطلع إلى منصب وزير أو وكيل أو وكيل مساعد أو رئيس مجلس إدارة شركة أو مؤسسة أو مدير عام هيئة عامة أو سفير أو ملحق أو غيرها من المناصب المرموقة لتوزيعها على الأقارب والمريدين والمفاتيح الانتخابية.
ولأن الحكومة مصابة بداء كسب الولاءات المزمن، فقد كثر المتنفذون من الذين أسدوا «خدمات جليلة» للحكومات المتعاقبة، وتكاثر على أبوابها طالبو المناصب المجانية، فمنهم نواب حكوميون حاليون وسابقون، ومنهم وزراء حاليون وسابقون، ومنهم شيوخ وتجار وعائلات وقبائل وتيارات سياسية ودينية، كلهم تحسب لهم الحكومة ألف حساب لكسب ودهم وولائهم، وأمام هذا السيل الجارف من المتنفذين ومن مطالبهم المتواصلة، لم تجد الحكومات المتعاقبة بداً من أن تتعامل مع قياداتها بكل مؤسسات الدولة مثل «حطب الدامة» أو الشطرنج، فما أن يستقر قيادي في منصبه حتى يقدم استقالته بناء على طلب قيادي أعلى منه.
في الزمن الجميل وعندما كان لدينا كثرة من القياديين الجديرين بالثقة الذين يطلق عليهم رجال دولة بصدق، جرت العادة عندما يتقدم قيادي حكومي باستقالته أن يستدعيه رئيسه المباشر، سواء كان وزيراً أو رئيس وزراء، ليستفسر منه عن أسباب استقالته المفاجئة ليثنيه عن قراره، أو على الأقل لينتظر أشهرا معدودة حتى يجد البديل الناجح، رغم كثرة البدلاء، أما اليوم وبسبب مجانية توزيع المناصب وكثرة المظليين وتكاثر المتنفذين، فإن إقالات القياديين وإحالتهم إلى التقاعد أصبحت جماعية أو بالجملة، رغم علم الحكومة أنه ليس لديها صف ثان من القياديين الأكفاء، ولا حتى البديل الناجح القادر على سد الثغرات الإدارية والمالية، ولكنها تعلم علم اليقين أن المتنفذ الفلاني لديه البديل، حتى إن لم يكن ناجحاً، المهم أن تسكت الحكومة أفواه الجائعين من سارقي مناصب المستحقين من المواطنين.
اليوم في البلدية وبعد إقالة عشرة قياديين، وفي وزارة الأشغال ووزارة الأوقاف، وسيأتي تسونامي التوظيف العشوائي على الإدارة العامة للإطفاء وعلى وزارات أخرى لا نريد الإشارة إليها اليوم، في كل هذه المؤسسات الحكومية الحساسة لا يوجد صف ثان ولا حتى بديل قادر على سد الثغرات في ثوب الحكومة الفضفاض.
كل ما لدى الحكومة التي قيل عنها إنها إصلاحية هو أن تدير مؤسسات الدولة بالتكليف، ولا شيء غير تكليف أناس لا يملك أغلبهم الكفاءة أو المهارة أو الخبرة في إدارة جهة كلف فجأة بإدارتها، بسبب ضعف هذه الحكومة أمام مطالب المتنفذين.