هل حاولت يوماً أن تجادل– بحق– عن أفكارك وآرائك مع الآخرين، فيواجهك حائط صد بشري لا يمكنك إقناعه بسهولة، فجدالك ونقاشك يفشل ليس لعلة غبائك أو جهلك إنما السبب يكمن في غفلتك عن أسلوب المراوغة بالمغالطات المنطقية التي يجيدها خصمك بالجدال. لنأخذ مثالاً: يتهمك أحدهم بالفجور لدرجة أن يطلب منك إثبات ما يفند ادعاءاته، مع أنه من المفترض أنه هو من يأتي بدليل الاتهام، وتلك المغالطة تسمى «دليل البرهان»، أو يبدأ خصمك باجتزاء الكلام من سياقه كما في مقولة الفيلسوف كارل ماركس «الدين أفيون الشعوب»، مع العلم أن سياق المقولة هو«الدين زفرة المحروم في عالم بلا قلب، إنه أفيون الشعوب»، والأفيون آنذاك يستخدم للعلاج فقط ولم يتداول للتعاطي.
ويطفو نوع آخر من المضللين يستخدمون «مغالطة الالتباس»، يهدفون من ورائها التمويه معتمدين على أن لكل كلمة في اللغة معاني متعددة حسب سياقها وزمانها، فعند ذكر مفردة «العلوم الدينية» يخطر على بالنا فوراً «العلوم الطبيعية»، بينما «العلوم» في الأولى المقصود بها الاعتقادات والإيمانيات أساساً ولا صلة لها بتاتاً بالعلوم الطبيعية، كما يراوغ البعض باستخدام «مغالطة رجل القش»، فعندما تطالب بتحسين الحالة المادية للشعب يرد عليك بأنك تهدر الأموال بتوزيع ميزانية البلد عليهم، وهذا ما لم تصرح به بالطبع. أذكر أن أحدهم جادل بأن الاقتصاد الرأسمالي هو الاقتصاد الأفضل في العالم، وعند مطالبته بالدليل ذكر أن الرأسمالية تنسب ذلك بفخر لنفسها في كتبها، وهذه المغالطة المنطقية مشهورة بل تستخدم كثيرا لإثبات صحة ومصداقية بعض الكتب المقدسة عند الشعوب وتسمى هذه المغالطة ب«الدليل الدائري».
المغالطات المنطقية يستخدمها بامتياز السياسيون ورجال الدين ووسائل الإعلام، هي أهم أدواتهم في فرض سطوتهم وتأثيرهم على العقول المستسلمة- بلا نقد أو تمحيص- لما يتفوه هؤلاء به ليل نهار، متلاعبين بالمشاعر، مضللين للعقول.
ختاماً، هناك العديد من الكتب الثرية بالمغالطات المنطقية، أشهرها كتاب «المغالطات المنطقية» للدكتور عادل مصطفى، وكتاب «التفكير النقدي» لعمرو صالح، وكتاب «رجل القش» ليوسف صامت، وغيرها ذلك لمن يطلب الاستقلال العقلي والتفكير العلمي، وحتى لا نقع فرائس لمدعي العلم وممتهني المغالطات المنطقية».