لو أردنا موقفا حياديا في أي مسألة لوجدنا أن هذا الموقف يستحيل ألا يتغلغل فيه الميل الشخصي، مما يجعله أمراً ناقصا يُعكر صفو صورته الكاملة، بمعنى أنه سيفقد جزءا من صفاته إن تخلل ذلك الهوى والرغبة الشخصية في أمر أردنا فيه إنصافا وحيادا مطلقا!
هذا ما يقوله المنطق، أما الحقيقة في أن يكون هناك حيادية في أمر ما فهذا يمكن حين يتعلق بقانون علمي أو قاعدة فلسفية أو شرعية وما إلى ذلك من أمور تُشبهها، فلا يمكن الجنوح لرغبة أو التمسك برأي إن لم يكن فيه رؤية جديدة مقنعة ومُحَسَنة ترفع من قيمة الأمر المُختَلف عليه.
في زمن ما بعد «كورونا» وما نتج عنه من تغييرات وتطورات للسلوك الحياتي للأفراد في كل بقاع العالم، برز حوار ما زال قائما حول هذه السلوكيات، لكن أحدا لم يصل فيه إلى نتيجة قاطعة ومقنعة للجميع، إنما هناك تداول وتبادل في وجهات النظر منها العام ومنها الخاص، وعليه تسير الحياة موزعة بينهما، فمن أسلَم أمره للواقع، وتجنب الخوض في مستجداته الكثيرة التي يرى أنها سترهقه إذا اشتبك فيها مع آخرين مازالوا رافضين لما يظنون أنه فُرض عليهم من سلوكيات ونتائج أثرت في سلوكياتهم وأعمالهم، فالأمر هنا ليس فيه حيادية، ولا يمكن أن تكون الحيادية سلوكا مقنعا إلا إذا استقر الأمر وتلمس الناس نتائجه وارتضوا بها رغم استحالته في حين الجدال والرفض قائمان.
الاشتباك الموجود اليوم في الحياة اليومية أساسه البحث عن مخرج من هذه الأزمة التي أرعبت العالم في العامين الماضين ومازالت إرهاصاتها قائمة ونتائجها المرعبة حاضرة في الأذهان، وتحتاج إلى وقت من الزمن كي تخف وطأتها، ولأنها حالة مفصلية في حياة الأمم مع وجود وباء شامل راح ضحيته الآلاف فإن التغاضي عنها لا يمكن أن يحدث بعد أن استقرت وصارت جزءاً من التاريخ البشري، وسبق أن لمحت في مقال سابق إلى أن اجتياح الوباء سيكون بداية تاريخ جديد يُستخدم متجاورا مع التقويم التقليدي.
هناك أسئلة كبيرة لا يقوى الجميع على الإجابة عنها حين يتطرق الحديث عن استبدال البشر الآدميين بإنسان آلي «ريبوت» يقوم بأكثر الأعمال تعقيدا بسهولة ويسر ونظافة بيئية، وإن المستقبل سيشهد وجود هذا الآلي في معظم البيوت والمؤسسات الذي سيساعدها ويمكنها من الاستغناء عن الآدميين وعن بعض الأدوات الإلكترونية، إذ إن هذا الإنسان الآلي سيقوم بوظائفها كلها مجتمعة فيه، والذي يدور الآن هو جدل سيطول الحوار فيه ولا يمكن للحيادية أن تنتصر لأنه فعل حضاري وتطور مطلوب للسنوات القادمة التي ليست ببعيدة، فإن ما يتم التهيئة له بتيسير الأدوات التقنية وتوافرها بين يدي الأطفال وفي المناهج الدراسية إنما هو زرع لهذه البذرة التقنية، ستأخذ بعقول الناشئة وتتحول بها نحو العلوم والبرمجة وطريقة التعامل معها حتى تستقر وتصير أسلوب حياة.
إذاً لا حيادية في هذا لأن العقل يقول إن الأدوات التقليدية التي نتعامل بها اليوم ستختفي مع مرور الزمن، وهذه من سنن الحياة لو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا معظم أدوات الماضي قد تم التخلي عنها، وإن بعضها لم يعد مثار اهتمام وتحولت إلى موروثات تاريخية.
المنطق يخبرنا بأن من يقف عند مفترق طريقين فعليه أن يختار الأنسب والأسهل والأفضل في النتائج، وعليه سيكون من الأفضل الاستعداد لزمن قادم والتحصن بأدواته التي ظهرت ملامحها وتوافر بعضها للتداول لمن يقدرعلى ذلك.
* كاتب فلسطيني- كندا
هذا ما يقوله المنطق، أما الحقيقة في أن يكون هناك حيادية في أمر ما فهذا يمكن حين يتعلق بقانون علمي أو قاعدة فلسفية أو شرعية وما إلى ذلك من أمور تُشبهها، فلا يمكن الجنوح لرغبة أو التمسك برأي إن لم يكن فيه رؤية جديدة مقنعة ومُحَسَنة ترفع من قيمة الأمر المُختَلف عليه.
في زمن ما بعد «كورونا» وما نتج عنه من تغييرات وتطورات للسلوك الحياتي للأفراد في كل بقاع العالم، برز حوار ما زال قائما حول هذه السلوكيات، لكن أحدا لم يصل فيه إلى نتيجة قاطعة ومقنعة للجميع، إنما هناك تداول وتبادل في وجهات النظر منها العام ومنها الخاص، وعليه تسير الحياة موزعة بينهما، فمن أسلَم أمره للواقع، وتجنب الخوض في مستجداته الكثيرة التي يرى أنها سترهقه إذا اشتبك فيها مع آخرين مازالوا رافضين لما يظنون أنه فُرض عليهم من سلوكيات ونتائج أثرت في سلوكياتهم وأعمالهم، فالأمر هنا ليس فيه حيادية، ولا يمكن أن تكون الحيادية سلوكا مقنعا إلا إذا استقر الأمر وتلمس الناس نتائجه وارتضوا بها رغم استحالته في حين الجدال والرفض قائمان.
الاشتباك الموجود اليوم في الحياة اليومية أساسه البحث عن مخرج من هذه الأزمة التي أرعبت العالم في العامين الماضين ومازالت إرهاصاتها قائمة ونتائجها المرعبة حاضرة في الأذهان، وتحتاج إلى وقت من الزمن كي تخف وطأتها، ولأنها حالة مفصلية في حياة الأمم مع وجود وباء شامل راح ضحيته الآلاف فإن التغاضي عنها لا يمكن أن يحدث بعد أن استقرت وصارت جزءاً من التاريخ البشري، وسبق أن لمحت في مقال سابق إلى أن اجتياح الوباء سيكون بداية تاريخ جديد يُستخدم متجاورا مع التقويم التقليدي.
هناك أسئلة كبيرة لا يقوى الجميع على الإجابة عنها حين يتطرق الحديث عن استبدال البشر الآدميين بإنسان آلي «ريبوت» يقوم بأكثر الأعمال تعقيدا بسهولة ويسر ونظافة بيئية، وإن المستقبل سيشهد وجود هذا الآلي في معظم البيوت والمؤسسات الذي سيساعدها ويمكنها من الاستغناء عن الآدميين وعن بعض الأدوات الإلكترونية، إذ إن هذا الإنسان الآلي سيقوم بوظائفها كلها مجتمعة فيه، والذي يدور الآن هو جدل سيطول الحوار فيه ولا يمكن للحيادية أن تنتصر لأنه فعل حضاري وتطور مطلوب للسنوات القادمة التي ليست ببعيدة، فإن ما يتم التهيئة له بتيسير الأدوات التقنية وتوافرها بين يدي الأطفال وفي المناهج الدراسية إنما هو زرع لهذه البذرة التقنية، ستأخذ بعقول الناشئة وتتحول بها نحو العلوم والبرمجة وطريقة التعامل معها حتى تستقر وتصير أسلوب حياة.
إذاً لا حيادية في هذا لأن العقل يقول إن الأدوات التقليدية التي نتعامل بها اليوم ستختفي مع مرور الزمن، وهذه من سنن الحياة لو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا معظم أدوات الماضي قد تم التخلي عنها، وإن بعضها لم يعد مثار اهتمام وتحولت إلى موروثات تاريخية.
المنطق يخبرنا بأن من يقف عند مفترق طريقين فعليه أن يختار الأنسب والأسهل والأفضل في النتائج، وعليه سيكون من الأفضل الاستعداد لزمن قادم والتحصن بأدواته التي ظهرت ملامحها وتوافر بعضها للتداول لمن يقدرعلى ذلك.
* كاتب فلسطيني- كندا