مع عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض وتعهده بحل الأزمة الأوكرانية «في يوم واحد»، وتعيينه متشككين في الدعم لكييف، بات السؤال المطروح لدى الكثيرين، إذا كانت ساعة التنازلات قد دقت بالنسبة للأوكران الذين يعتمدون بشكل كبير في حربهم مع روسيا وجيشها الأكبر عدداً والأكثر تسليحاً، على الغرب وبشكل رئيسي على واشنطن.
وقالت «نيويورك تايمز»، في تقرير نشرته أمس الأول، إن أوكرانيا، التي رفضت سابقاً التنازل عن الأراضي التي تحتلها روسيا (نحو 20 في المئة من مساحة البلاد)، في أي تسوية سلمية مقبلة، باتت الآن، مع ضغوط ترامب المحتملة لتسريع المفاوضات، تعطي الأولوية في أي مفاوضات، للحصول على ضمانات أمنية حول عدم التعرض لأي اعتداء مستقبلي وضمان استمرارية أي وقف لإطلاق النار، على حساب الحدود الإقليمية التي من المرجح أن تحددها المعارك.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن رومان كوستنكو، رئيس لجنة الدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني قوله: «يجب أن تستند المحادثات إلى ضمانات. بالنسبة لأوكرانيا، لا يوجد شيء أكثر أهمية من ذلك». لكنه أضاف أن كييف لن تتخلى رسمياً عن مطالبتها بأي أراضٍ في حدودها المعلنة في 1991، خاضعة للاحتلال الروسي. كما نقلت عن مسؤول أوكراني كبير آخر، لم تكشف عن هويته تأكيده أن «سؤال الحدود الإقليمية مهم جداً، لكنه لا يزال السؤال الثاني. السؤال الأول هو ضمانات الأمن».
وبحسب «نيويورك تايمز» فإن هذا النهج الاوكراني الجديد قد يبرر أي اتفاق محتمل ربما يسمح لروسيا بالاحتفاظ بالسيطرة على بعض الأراضي الأوكرانية.
وتلفت الصحيفة الى أن الشكوك في اوكرانيا عميقة جداً حيال التزام روسيا بتسوية سلمية، بعد تجربة مريرة مع وقف إطلاق النار في عامي 2014 و2015 لم يحل دون اندلاع المزيد من القتال بشكل متقطع لمدة ثماني سنوات وصولاً إلى الغزو الروسي الشامل في عام 2022.
وتشير إلى أن الضمانات الأمنية، وليس الأراضي، المسألة الأكثر تعقيداً في أي اتفاق سلام محتمل، فعندما أجرت أوكرانيا وروسيا محادثات سلام في عام 2022، تراجعت روسيا في نهاية المطاف عن مكون أساسي في الاتفاق المقترح: ترتيبات تلزم دولاً أخرى بالدفاع عن أوكرانيا في حال تعرضها لهجوم مرة أخرى.
وتصاعدت المناقشات حول تسوية محتملة منذ فوز ترامب الذي تعهد بالدفع نحو محادثات فورية في تحول عن موقف إدارة جو بايدن، الذي يرى أن توقيت وشروط أي تسوية يجب أن تكون بيد أوكرانيا.
إحدى القضايا الفورية لأي وقف لإطلاق النار على الجبهة هي احتلال أوكرانيا لأجزاء من كورسك، في جنوب غرب روسيا، والتي غزاها الجيش الأوكراني في أغسطس الماضي. ترى كييف أن هذا الإقليم قد يكون ورقة مساومة خلال المحادثات، بينما يُنظر في موسكو إلى انسحاب أوكرانيا على أنه شرط أساسي لبدء المفاوضات.
ويقول المسؤولون الأميركيون، إن نحو 50 ألف جندي روسي وكوري شمالي تجمعوا في كورسك استعداداً لهجوم مضاد لطرد أوكرانيا من الأراضي الروسية.
إذا تم طرد الأوكرانيين من كورسك، فقد تقبل روسيا وقفاً لإطلاق النار على طول خط الجبهة بحلول الربيع المقبل، وفقاً لما قاله قسطنطين زاتولين، عضو البرلمان من حزب بوتين السياسي قبل أيام.
وأضاف: «كل شيء سيعتمد على الحقائق. كل ما لدينا هو لنا، وكل ما لدى أوكرانيا هو لأوكرانيا».
أما بالنسبة لبعض المتشددين في موسكو، فإن نقاط الخلاف، بما في ذلك المطالبات الإقليمية، تجعل التوصل إلى تسوية بحلول الربيع المقبل أمراً غير محتمل.
وقال قسطنطين مالوفييف، رجل الأعمال المحافظ المتحالف مع الكرملين: «سيكون من الصعب علينا التوصل إلى اتفاق لأن حتى أضعف موقف لدينا يتضمن تنازلات إقليمية إضافية من أوكرانيا».
وذكر مسؤول أوكراني كبير أن كييف ستسعى لضمان ألا يؤثر خط وقف إطلاق النار على تعافي البلاد الاقتصادي بعد الحرب، أي عدم ترك المناطق الصناعية غير آمنة للاستثمار على سبيل المثال. كما أن عرض المنطقة المنزوعة السلاح وهي منطقة عازلة بين الجيشين سيكون اعتباراً رئيسياً، بحسب ما ذكره المسؤولون.
وتقول «نيويورك تايمز» إن هناك فصائل متنافسة في دائرة ترامب التي عبرت عن آراء متنوعة حول أوكرانيا. الموقف الذي عبر عنه جي دي فانس، نائب الرئيس، يتماشى إلى حد كبير مع تصريحات الكرملين. أما وزير خارجيته السابق، مايك بومبيو، فقد دعا إلى دعم عسكري أقوى مما كانت إدارة بايدن مستعدة لتقديمه. وربما جاء أبرز مؤشر على آراء ترامب نفسه في مقابلة له مع شبكة «فوكس نيوز» في يوليو قال فيها: «سأقول للرئيس (الأوكراني فلوديمير) زيلينسكي، لن نقدم المزيد، عليك أن تتوصل إلى اتفاق، وسأقول لبوتين، إذا لم تقم بإبرام اتفاق، فسوف نقدم لزيلينسكي الكثير».
في الوقت الحالي، تخسر أوكرانيا الأراضي بسرعة تقريباً كما حدث في الأيام الأولى من الغزو. ومن هنا يتزايد الدعم بين الأوكرانيين للتنازل عن الأراضي مقابل السلام. وأظهر استطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في أكتوبر أن 32 في المئة من الأوكرانيين سيؤيدون مثل هذا الاتفاق، ارتفاعاً من 19 في المئة بالعام الماضي. لكن الحصول على تسوية لمصلحة أوكرانيا بينما تتقدم روسيا سيكون صعباً جداً، وفقاً لأندريه زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق، فمن غير المرجح برأيه أن يكتفي المفاوضون الروس بالأراضي التي استولت عليها قواتهم بالفعل. ويقول: «من يكون في موقف المنتصر هو من يحدد الشروط، هذا المبدأ صحيح للحكومات كما هو للأعمال».