تقوم سياسة الولايات المتحدة واقتصادها عبر التاريخ على الجنون الذي يسير مع الجريمة كتفاً بكتف، السياسة والاقتصاد القائمين على (اللكاعة)، من يقرأ تاريخ الولايات المتحدة من المهد حتى اقتراب اللحد يجد أن كل شيء فيها يخالف الطبيعة.

أول رئيس اختاره الآباء المؤسسون كان جورج واشنطن لا بنيامين فرانكلين لأنهم كانوا مجموعة من المجانين الذين منحتهم الحياة فرصة، إنها مشكلة في أن يهرب المرء من الجحيم إلى أرض الأحلام، وأقصى طموحه السلامة فيكتشف أن بإمكانه أن يصبح رئيساً أو نائبه أو قائداً لعصابة أو مهرباً أو قاتلاً مأجوراً أو أي نوع من الخارجين على القانون أو المدافعين عنه بعد خروجهم عليه.

Ad

كانوا عقلاء جداً حينما قرروا ان يكون خيارهم مجنوناً جداً، عقلاء افتراضاً لا رجاحة، فالعقول الراجحة التي ينتج الخير عن تفكيرها، أما الافتراضية فهي القادرة على التفكير دون أن نتوقع من هذا التفكير خيراً.

ولأن لي بعض البحوث المنشورة وغير المنشورة حول الولايات المتحدة منذ الجذور حتى البذور فإني أستطيع القول بلا تردد إنه حين يحكم الديموقراطيون فإن اللوبيات والتكتلات التجارية والاجتماعية ومؤسسات الدراسات التابعة لها أو الممولة منها هي التي تقرر والبيت الأبيض مجرد جهة تنفيذية، فالرئيس وفريقه يحاولون التوفيق بين مجموعة آراء فقط وعلى طريقة سعد الفرج في حامي الديار حين وزع صفحات جريدته (لكل جهة صفحة) لإرضاء الجميع.

وحين يحكم الجمهوريون فإنهم قادرون على اختيار ما يرونه مناسباً من آراء تتوافر على طاولتهم دون التزام مع أحد أو حرج من أحد، حتى ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات ذو التوجه الجمهوري يحظى بسلطة قرار لدى الديموقراطيين أكبر من حظوته لدى الجمهوريين لأنه مجنون عاقل ضمن منظومة القرار وقواعدها،

والمجنون إذا عقل يستطيع أن يكون أكثر جرأة على التغيير، ولأن الرئيس ترامب مجنون قد عقل فإني لا أستبعد أن يوقف العدوان الصهيوني على غزة ولبنان بعد أن أصبح الصهاينة في مأزق كبير ميدانياً.

ولأننا اليوم مقهورون جداً ونود لو احترقت إسرائيل بحجرها وشجرها وحرثها ونسلها جزاءً وفاقاً لما جرى ويجري من جرائم لم نسمع بمثلها مع سكوت العالم عنها (والسكوت علامة الرضا)، وقد رأينا موقف الديموقراطيين في هذه الحرب (النتنة)، فإن مجيء ترامب وفريقه الجمهوري لن يزيد الغريق بللاً، حيث بلغ السيل الزبى وجاز الخراب الرقاب، ولأننا نعرف ترامب جيداً منذ السنوات الأربع التي مرت كالأيام، ولم يكن فيها هذا الرئيس إلا أحد الآباء المؤسسين من الصف الثاني الذين وقفوا خلف جورج واشنطن لا الذين وقفوا خلف بنيامين فرانكلين أو جيمس ماديسون، وبالتالي فإن أقصى تغيير يمكنه القيام به البحث عن المال أو على قولة سلطان الهاجري: «عش ضيفك يا أبيض الشارب وغدّه، النشامى ما تعيش بلا كرامة».

ولأن ترامب نشمي فإنه سيعشي ضيفه ويغدّيه لكنه قبل ذلك لابد أن (يدبر فلوس العشا)، ولذلك فإن استجابة الأسواق العالمية لفوزه بالرئاسة كانت سريعة ومعبرة جداً عما سيقوم به من تغييرات داخلية وخارجية، وقد ظهر جلياً المتفائلون والمتشائمون وأسباب تفاؤلهم أو تشاؤمهم، لكن المشكلة تبقى في المتشائلين الذين لم يحددوا موقفهم بعد، أو الذين لم يعرفوا الى أين تسير الأمور حتى اللحظة.