دخل رجل إلى مجلس في أحد الأحياء السورية، وكان في كامل زينته، شعره مرتب ولباسه أنيق ورائحته عطرة، ولكن يا «خسارة»، عندما تكلم وأراد أن يشارك في الحديث، ظهرت بذاءة لسانه ووضاعة كلامه، عندها قال له أحد الوجهاء: «شو ياأخي! ما بصير هيك، يا بتحكي مثل لبسك، أو بتلبس مثل حكيك».
كانت هذه عبارة وجيزة ومباشرة لاستنكار أسلوب ذلك الرجل المتناقض الذي أظهر المفارقة الواضحة بين لباسه وخلاقه! فكما تعلمون أن الإنسان بطبيعته ينسجم مع المكان الذي يذهب إليه، ومع الأشخاص الذين يخالطهم، ومع المناسبة التي يحضرها، انسجاما كليا بلباسه وأناقته وحركاته، حتى أن عقلنا الباطن قد يستحضر بشكل تلقائي النسخة المنقّحة للكلام الرسمي، وكأننا نرتدي لباسا آخر للذوق والكلام المُنمّق!
عزيزي القارئ، هل تعلم أن أول عقاب عاقب الله به الإنسان هو فقد ثيابه وتعرّي جسده، عندما أكل أبونا آدم وأمنا حواء من الشجرة المحرّمة «فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ»، وهنا نلاحظ أنه بعدما اختفى اللباس أو النور الذي كان يسترهما، خجِلا من بعضهما، وأخذا يخصفان عليهما من ورق الجنة، و«الخصف» هو ترقيع قطعة على قطعة أو لزق شيء على شيء آخر. وهذا دليل على أن الإنسان جُبِل على الحياء، فالحياء فطرة فيه لا سمة مكتسبة، لذلك لابد أن نتيقن أن التعري أو إبراز العورات ليس من التمدن أو الرقي في شيء، إنما هو من الخذلان والجهل واتباع ابليس «يايَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا».
والسؤال: هل يوجد ارتباط بين اللباس الحسن والأخلاق؟
يقول سبحانه وتعالى: « يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ»، وهنا جاء الخطاب مباشرا في وجوب ارتداء اللباسين اللذين أكرمنا الله بهما، اللباس الخارجي الذي يستر عورات الجسد مع لباس التقوى.
يقول المفسرون «لباس التقوى» هو العفّة والحياء والورع، وقال بعضهم هو الإيمان والخشوع والسمت الحسن، والسكينة والإخبات، وقال آخرون، كلّ ما يحصل به الاتقاء المشروع فهو من «لباس التقوى»، ويقول السعدي: لباس التقوى يستمر مع العبد، ولا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح.
فلباس التقوى هي ما يستر عوراتنا الأخلاقية وأمراض القلوب، لأن الإنسان لا يخلو من عورات أخلاقية وأمراض قلبية وحسد، لا يسترها إلا كريم ولا يبديها إلا لئيم.
أعزائي القرّاء، أنا لا يُزعجني كثيرا الشخص الذي لبس لباس الموضة ولم يلتزم «بالاتيكيت»، فهذه نسخة غربية، لا تهمني، ولكني آسف كثيرا على الشخص الذي لبس اللباس العربي المسلم المحتشم، ونسي أن يلبس معه لباس التقوى!